مقابرهما، وكذلك إذ مات بلد قد ذكر في مقبرته خيراً أحببت أن يدفن فيها فإن كان ببلد لم يذكر فيها أحب أن يدفن في المقابر لحرمة المقابر والداعي لها وأنه مع الجماعة وأشبه أن لا يتغوط ولا يبال على قبره ولا ينبش وحيث ما دفن الميت فحسن إذ شاء الله.
قال: واختار أن يكون الدفن في الجبان والصحراء لا في البيوت والمساكن؛ لأنه أقرب إلى رحمة الله تعالى لكثرة الداعي له إذا درس قبره. فإذ قيل: أليس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد دفن في حجرة عائشة؟ فكيف استحب الشافعي الدفن في المقابر. وقلنا: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدفن أصحابه في المقابر، وفعله أولى من فعل غيره، وأنهم رأوا ذلك تخصيصاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - صيانة له عن رحمة الناس والابتذال وفي غير لا يوجد هذا المعنى. قلت: وقالت عائشة لما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اختلفوا في دفنه، فقال أبو بكر الصديق: سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً ما نسيته بعد قال:"ما قبض الله نبياً إلا في الموضع الذي يدفن فيه" ادفنوه [٣٠١ أ / ٣] في موضع فراشه. رواه أبو عيسى الترمذي. ورأيت خبراً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"إن الميت ليتأذى بجار السوء".
فَرْعٌ آخرُ
قال الشافعي في القراءة عد القبر: رأيت من أوصى بذلك وهو عندنا حسن والرحمة تنزل عند ختمة القرآن. قال أصحابنا: ويختار لمن حضر دفنه أن يقرأ سورة "يس" ويدعو له ويترحم عليه، لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بقوم يدفنون ميتاً فقال:"ترحموا عليه فالآن حين يسأل".
فَرْعٌ آخرُ
يستحب أن يجمع بين قبور ذوي القرابات، والأصل في بقعة واحدة ليكون أسهل للزيارة والتعهد، ويكون الأب إلى القبلة أقرب، ثم الأسن فالأسن أبداً وكيف ما دفنوا جاز في خبر عثمان بن مظعون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"لأعلم به قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهلي" وقيل: إن ترتيب قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه رضي الله عنه أن رأس أبي بكر بين كتفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورأس عمر بين كتفي أبي بكر ليكون كل واحد منهما دون مرتبة صاحبه، قلت: وروى جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[٣٠١ ب / ٣]، "كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في الثوب الواحد، ثم يقول: أيهما أكثر أخذاً للقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد".