وقال أبو حنيفة: إن خرج عن صفة القتلى وصار إلى حالة الدنيا فذلك حكم [٣١٧ ب/٣] الشهادة مثل أن يأكل أو يشرب أو يوصي وإلا فلا يزول حكمه، ويسمى هذا المرئت، وقال مالك: لا اعتبار بنقض الحرب وإنما يعتبر أن يأكل أو يشرب أو يبقى يومين أو ثلاثة فيغسل ويصلى عليه وهذا غلط؛ لأنه مات بعد تقضي الحرب فلم يثبت له حكم الشهادة كما لو أوصى أو بقي يوماً كاملاً، وإن مات قبل تقضي الحرب فلا يغسل ولا يصلى عليه، وإن كان قد تكلم بعد الجرح أو أكل أو شرب، وقال أبو حنيفة: إن أكل لا يكون حكمه حكم الشهيد هاهنا أيضاً. واعلم أن المزني نقل لفظاً غير مستقيم، فقال: والشهداء الذين عاشوا وأكلوا الطعام وبقوا مدة ينقطع فيها الحرب وإن لم يطعموا كغيرهم من الموتى، وقوله في أول المسألة: وأكلوا الطعام مع قوله في آخرها: وإن لم يطعموا متناقض، وكان ينبغي أن يقول: وأكلوا الطعام أو بقوا مدة تنقطع فيها الحرب وإن لم يطعموا حتى يكونا مسألتين.
فرع
قال بعض أصحابنا بخراسان: إذا زاد الولي أو غيره الصلاة على الشهيد هل له ذلك وجهان:
أحدهما: له ذلك؛ لأنا لا نوجب لاشتغالهم بالحرب فيجوز ذلك للفارغ من الحرب [٣١٨ أ/٣].
والثاني: ليس له ذلك؛ لأن السيف طهره، وهذا أصح عندي والأول ليس بشيء.
فَرْعٌ آخرُ
سائر الشهداء بغير سبب القتال مثل: المبطون، والغريق، والمحرق، وصاحب الهدم، والمولدة إذا ماتت في الطلق يغسلون ويصلى عليهم، وقال الحسن: إذا ماتت المرأة في النفاس لا تغسل ولا يصلى عليها، وهذا غلط لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا على من قال لا إله إلا الله".
فَرْعٌ آخرُ
إذا قتل في غير المعترك ظلماً حكمه حكم سائر الموتى، سواء قتل بحديد أو غيره وبه قال مالك وأحمد، وقال أبو حنيفة: إن قتل ظلماً بحديد لا يغسل. وإن قتل بمثقل غسل؛ لأنه يوجب المال، وهذا غلط لما قال الشافعي وعمر رضي الله عنهما: كان شهيداً لكنه غسل وصلي عليه، لأنه لم يقتل في معترك الكفار، ولم ينكر أحد فصار إجماعاً، وقال الشافعي: الغسل والصلاة سنة، أي شريعة وطريقة لا يخرج إلا من أخرجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخرج عن جملتهم المقتول في معترك الكفار والباقي باق على حكم الأصل.