شرع فيها لم يجز الخروج من جهة أن تركها في الابتداء لا يسوغ له على كل وجه، لأنه لو لم يحضره غيره يلزمه الحضور وأداء الصلاة، فهو كالجمعة في حق العبد.
فَرْعٌ آخرُ
وقال: لو شرع في صلاة الجنازة بعدما صلى عليها من نية الكفاية، هل له الخروج؟ يحتمل وجهين: أحدهما: له ذلك. والثاني: ليس له ذلك. ولهذا أصل وهو أن هذه الصلاة تقع فرضاً أم لا؟ وفيه جوابان، والقياس عندي أنها لا تقع فرضاً، لأن الفرض ما لايجوز تركه على الإطلاق.
فَرْعٌ آخرُ
لو صلى رجل على جنازة وعنده أن الميت الفلاني عليها، ونوى الصلاة عليه ثم ظهر أن الميت الذي هو صلى عليه مات في بلد آخر ودفن فيه أو ذلك هل تصح الصلاة على ذلك أم لا؟ لاعتقاده أن الميت الذي يصلي على هذه الجنازة يحتمل أن [٣٣٦ أ/٣] يقال: يجوز لأن اعتبار عين الميت أولى من اعتبار المكان، لأن العين لا تتبدل والمكان يتبدل كما لو قال: زوجتك ابنتي الصغيرة فاطمة وسامها عائشة وفاطمة اسم الكبيرة، يصح النكاح على الصغيرة؛ لأن الاسم يتبدل بخلاف الصغير.
فرع
إذا صلى على جنازة الرجل وقف الإمام عند صدره، وإذا صلى على جنازة المرأة وقف الإمام عند عجيزتها، وبه قال أحمد وهو اختيار أصحابنا بالبصرة وصاحب "الإفصاح" ولا نص فيه للشافعي. وقال البغداديون من أصحابنا: يقف عند رأس الرجل وعند عجز المرأة وهو وسطها، وهذا هو اختيار القاضي الطبري، وبه قال أبو يوسف ومحمد، وهذا أولى عندي. وقال أبو حنيفة: يقف عند صدر الرجل والمرأة، وقال مالك: يقوم من الرجل عند وسطه ومن المرأة عند منكبها، لأن الوقوف في أعالي المرأة أمثل وأسلم، وروي عن ابن مسعود في الرجل ما قال مالك، وهذا غلط لما روى سمرة بن جندب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "صلى على امرأة ماتت في نفاسها فقام وسطها"، وروى أبو غالب عن نافع قال:"صليت خلف أنس بن مالك رضي الله عنه على جنازة عبد الله بن عمير، فقام عند رأسه فكبر أربع تكبيرات ثم [٣٣٦ ب/٣] صلى على امرأة فقام عند عجيزتها فقيل له: هكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي على الجنازة كصلاتك يكبر عليها أربعاً ويقوم عند رأس الرجل وعجيزة المرأة؟ قال: نعم". وهذا خبر صحيح أورده أبو داود وغيره. ولأن المرأة تخالف الرجل في موضعها مع الإمام في الصلاة فجاز أن يختلفا هاهنا.