يجوز أن يصلي على الميت بالنية، سواء كان الميت في جهة القبلة أو غيرها، فلو صلى أهل العراق على ميت بمكة، أو صلوا على ميت بخراسان جاز، ويكون الاعتماد على النية وصفة الصلاة كأن الجنازة موضوعة بين يديه. وقال الساجي: سمعت الربيع يقول: مات رجل بالصعيد، فخرج بنا أبو يعقوب البويطي وصلينا عليه فعاب علينا أصحاب مالك فقلنا: السنة معنا. ولا فرق بين أن تكون المسافة قريبة أو بعيدة، تقصر فيها الصلاة أم لا، وقال مالك وأبو جنيفة: لا يجوز ذلك بحال وهذا غلط، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نعى للناس النجاشي اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر أربع تكبيرات"، فإن قيل: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مخصوصاً به، فإنه كان في حكم المشاهدة للنجاشي [٣٣٧ أ/٣] وقد روي أنه قد سويت له أعلام الأرض حتى أبصر مكانه، قلنا: هذا تأويل باطل، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا فعل شيئاً من أفعال الشريعة فإنه يلزمنا متابعة والاقتداء به والتخصيص لا يعلم إلا بدليل، وكيف يقال هذا وقد خرج بالناس إلى المصلى فصف بهم وصلوا معه وهم لم يشاهدوه بحال، فإن قيل: النجاشي كان رجلًا مسلماً آمن بنبوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أنه كان يكتم إيمانه، والمسلم إذا مات وجب على المسلمين أن يصلوا عليه، وكان هو بين ظهراني الكفار ولم يكن بحضرته من يقوم بحقه في الصلاة عليه، فلزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي عليه إذ هو نبيه ووليه وأحق الناس به، قلنا: أبو جنيفة لا يقول بهذا؛ لأنه قال: لو غرق واحد في البحر لا يصلى عليه أصلًا، ولأن النجاشي كان ملك الحبشة ويستحيل أن يسلم هو ولا يوافقه أحد على دينه يصلى عليه إذا مات، وذهب أبو سليمان الخطابي رحمه الله إلى هذا التأويل وقال: إذا مات الآن مسلم ببلد، فإن علم أنه لم يصل عليه لعائق، فالسنة أن يصلى عليه ولا يترك ذلك لبعد المسافة، وإن علم أنه قد صلى عليه لم يصل عليه من كان غائبا عنه وهذا عندي حسن [٣٣٧ ب/٣].
فرع
لو كان الميت في طرف البلد لم تجز الصلاة عليه حتى يحضره، وكذلمك إن كان في أحد جانبي البلد لم تجز حتى يحضره، لأنه يمكنه الحضور من غير مشقة. وقال بعض أصحابنا بخراسان: فيه وجهان، وهما كالقولين في حواز تقديم المأموم على الإمام قالوا: وهكذا لو كانت الجنازة موضوعة فصلى أمامها وهي خلفه، هل يجوز؟ وجهان، وهذا غير مشهور.
فَرْعٌ آخرُ
لو صلى على أموات غائبين عن بلده وكان أقرباؤه غابوا عن البلد وماتوا ولا يعرف عددهم، فصلى عليهم دفعة واحدة جاز؛ لأنهم صاروا كالمتعينين بسمة القرابة، وهكذا لو