"إنما جعلت ذلك لتعلموا أنها سنة" يعني إنما جهرت بقراءة الفاتحة ليعلموا أن القراءة هي طريقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشريعته، ولم يرد به أنها غير واجبة؛ ولأن الجهر بها سنة والمستحب أن لا يجهر بقراءتها ليلًا ونهاراً، لأن القراءة إذا كانت مقصورة على الفاتحة لا يجهر كما في الركعتين الأخريين ظاهر النص، قال: ويخفي القراءة والدعاء، وقال الداركي: إن كان بالليل جهر فيها وغن كان بالنهار أسر فيها؛ لأنها صلاة تفعل ليلًا ونهاراً فيجهر فيها إذا كان ليلًا، قال أبو حامد: لا يجئ على المذهب غير هذا، وهذا لا يصح؛ لأن صلاة الليل التي يجهر فيها هي صلاة راتبة في وقت من الليل، ولها نظير راتب في وقت النهار وسن في نظيرها الإسرار فسن فيها الجهر، وصلاو الجنازة صلاة واحدة ليس لها وقت يختص به من ليل أو نهار، ولهذا إنه يسر بالدعاء فيها بلا خلاف، وهذا اختيار القاضي الطبري.
مسألة: قال: ثم يكبر الثانية [٣٤١ ب/٣] ويحمد الله ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويدعو للمؤمنينَ والمؤمناتِ.
وهذا كما قال في "الأم": إذا كبر الثانية صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات. وقال في "الجامع الكبير": ويدعو جملة للمؤمنين والمؤمنات ولم يذكر الاستغفار ونقل المزني أنه يحمد الله تعالى ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات يذكر ثلاثة أشياء، قال أصحابنا: أما التحميد فلم يحكه عن الشافعي ولم يذكره في المختصر الكبير، وقيل: رواها سماعاً من لفظه فلا خلاف أن التحميد في التكبيرة الثانية لا يجب، وهل يستحب؟ وجهان: أحدهما: يستحب فيقول: الحمد لله والصلاة على محمد وآله، والثاني: لا يستحب، وقال يعقوب الأبيوردي: لم يذكره الشافعي، ولكن لو أتى بما ذكره المزني كان حسناً، فيقول نحو ما ذكرنا. وأما الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فواجبة لأن كل صلاة كان من شرطها القراءة فمن شرطها الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كسائر الصلوات، ولأنه روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"لا صلاة لمن لم يصل على نبيه"[٣٤٢ أ/٣]- صلى الله عليه وسلم -، وأما الدعاء للمؤمنين والمؤمنات فيها فلا خلاف أنه لا يجب بل هو استحباب فيقول: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسليمن والمسلمات الأحياء منهم والأموات، تابع بيننا وبينهم في الخيرات، وألف بين فلوينا وقلوبهم على الخيرات، واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة، وثبتهم على ملة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - إمك مجيب الدعوات. وإنما اخترنا الدعاء للمؤمنين والمؤمنات عقيب الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليكون أسرع للإجابة قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"إذا سأل أحدكم ربه تعالى في حاجة فليبدأ بالصلاة عليّ، فإن الكريم إذا سئل حاجتين لم تجب إحداهما ويترك