يجني عليك ولا تجني عليه" أي لا يؤاخذ أحدكما بذنب الآخر، فهذا هو وجه ترجيح رواية عائشة على رواية عمر رضي الله عنهما، ثم اعلم أنه لا بد من تأويل حديث عائشة أيضاً، فإن فيه بعض ما في حديث عمر وذلك أنه كما لا يجوز أن يعذب المسلم ببكاء أهله عليه لا يجوز أن يزيد في عذاب الكافر ببكاء أهله عليه؛ لأنه كما لا يظلم المسلم لا يظلم الكافر مثقال ذرة. فأول الشافعي هذا القدر تأويلًا مجملًا فقال: وما يزيد في عذاب الكافر فباستجابه أي باستحقاقه لا بذنب غيره، وهذا يحتاج إلى بيان فبيانه ما ذكره المزني فقال: بلغني أنهم كانوا يوصون بالبكاء أو بالنياحة عليهم أو بهما وهي معصية، وإذا أمر بها وعملت بعده كانت له ذنباً، فيجوز أن يزداد بذنبه [٣٥٨ أ/٣] عذاباً كما قال الشافعي لا بذنب غيره، ولا فرق بين أن هذه الوصية من مسلم أو كافر، وهذا موجود في أشعارهم:
إذا مت فانعوني بما أنا أهله وشقي عليَّ الجَيْبَ يا أم معبد
ومن أصحابنا من قال الصحيح من رواية عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الميت ليعذب وأهله يبكون عليه"، وذكر مسلم في صحيحه عن عائشة أنه ذكر لها هذا الخبر، عن ابن عمر رضي الله عنهما فقالت: "رحم الله أبا عبد الرحمن سمع شيئاً فلم يحفظه إنما مرت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جنازة يهودي، وهم يبكون عليه فقال:"إنهم يبكون وإنه ليعذب" وقالت أيضا: إنما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إنه ليعذب بخطيئته أو بذنبه، وإن أهله ليبكون عليه الآن"، وقالت: إنما مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على يهودية يبكي عليها فقال:"إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في فبرها" ومن أصحابنا من قال معناه: أن بكاءهم عليه يكون سبباً لمؤاخذة الله هذا الكافر أو العاصي بذنب نفسه، وأنه كان في [٣٥٨ ب/٣] معلومه أنهم لو لم يبكوا عليه لكان لا يؤاخذه بذنبه وقيل: معناه أن الميت ليعذب عند بكاء أهله كما يقال: عتق المكاتب بالأداء - أي عند الأداء بالقول السابق - وقيل: إنهم كانوا ينوحون عليه ويعددون أفعالهم التي هي قيل .... والغارات، فأراد أنهم يعذبون بما يبكون به عليهم. ويكره مرثية الميت بذكر أيامه وفضائله وأفعاله، والأولى الاستغفار له، لما روى ابن أبي أوفى سمع نسوته يرثين ميتاً فنهاهن وقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ينهي عن المراثي".
فرع
يستحب زيارة القبور للرجال، لما روى أبو سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجرا" وروي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال:"زوروا القبور فإنها تذكر الموت"، وروى بريدة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور