فقد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه فزوروها فإنها تذكر الآخرة"، وقال في "الأم": لا بأس بزيارة القبور، فإنك إذا زرت القبور تستغفر للميت [٣٥٩ أ/٣] ويرق قلبك" وتذكر أمر الآخرة فهذا مما أحبه، وبهذا قال ابن المبارك وأحمد وإسحاق.
فَرْعٌ آخرُ
قال أصحابنا: يكره زيارة القبور للنساء لما روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "لعن زوارات القبور" وروى ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "لعن زائرات القبور أو المتخذين عليها المساجد والسرح".
قال القاضي الطبري: لا أعرف هذا للشافعي. قلت: قال في بعض أصحابنا: يحتمل أنه كره لهن ذلك لعلة صبرهن وكثرة جزعهن. وقيل: كان هذا قبل أن يرخص النبي - صلى الله عليه وسلم - في زيارة القبور فلما رخص دخل في رخصته الرجال والنساء، وهذا أصح عندي إذا أمنت الافتتان والتعدي عما فيه رضي الله تعالى.
فَرْعٌ آخرُ
قلت: يكره لها اتباع الجنازة والخروج إلى المقبرة مع النساء لما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قبرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً ميتاً فلما فرغنا انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانصرفنا معه فلما جاؤوا بابه وقف فإذا نحن بامرأة مقبلة فعرفها فكانت فاطمة رضي [٣٥٩ ب/٣] الله عنها فقال لها: ما أخرجك يا فاطمة من بيتك؟ قالت: أتيت يا رسول الله أهل هذا الميت فرحمت إليهم ميتهم أو عزيتهم به، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فلعلك بلغت معهم الكدى قالت: معاذ الله وقد سمعتك تذكر فيها ما تذكر قال: "لو بلغت معهم الكدى" وذكر تشديداً. والكدى: هي القبور قاله ربيعة: وقيل الكدى جمع الكدية: وهي القطعة الصلبة من الأرض والقبور إنما تحفر في المواضع الصلبة لئلا تنهار.
فَرْعٌ آخرُ
يستحب إذا اجتاز بالمقبرة أن يسلم على أهلها فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. قال الشافعي: يقول: اللهم اغفر لنا ولهم يدعو بعد هذا بما يريد، وقالت عائشة:"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلما كانت ليلتي منه يخرج من آخر الليل إلى البقيع يقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون غداً مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد" وقالت أيضا للجماعة: "ألا أحدثكم عني وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها عندي انقلب فوضع رداءه وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجه فلم يلبث إلا ريثما ظن أني قد رقدت فأخذ رداءه رويداً وانتقل رويداً أو فتح الباب وخرج، ثم أجافه رويداً وجعلت درعي في رأسي واختمرت وتقنعت إزاري، ثم انطلقت على أثره حتى جاء البقيع فقام فطال القيام ثم