للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزَّكَاةَ} [البقرة: ٢٧٧]، ثم اعلم أنها مفروضة عندنا والفرض والواجب سواء.

وقال أبو حنيفة: هي واجبة وليست بفريضة، وقال: الفرض هو اسم لما وجب بدليل معلوم لا يسوغ الاجتهاد في نفيه وهذا خلاف لا يفيد شيئًا، والدليل على بطلانه الخبر الذي ذكرنا، فإنه قال/ فرض، وقال: زكاة، والزكاة مفروضة وقال الأصم وابن علية وقوم من أهل البصرة [٢٢١ ب/٤] إنها ليست بواجبة وهو اختيار أبي الحسين اللبان الفرضي، واحتجوا بحديث قيس فلما نزلت آية الزكوات لم يأمرنا، ولم ينهنا. وهذا غلط؛ لأن تركه للأمر ثانيًا لا يسقط حكم الأمر الأول، وروي في بعض الألفاظ عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، وقال داود: زكاة الفطر تجب على العبد وعلى السيد إن يخليه ليكتسب ويؤديها وهذا غلط، لقوله صلى الله عليه وسلم: "عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق إلا صدقة الفطر في الرقيق" ولأنه شخص من أهل الطهرة يلزمه نفقة شخص من أهل الطهرة فليزمه فطرته مع القدرة كالولد مع والده.

مسألة: قال الشَّافعيُّ (١): "فَلَم يَفْرضِهَا إلا على المُسْلِمينَ".

وإنما قال ذلك للخبرين اللذين ذكرناهما، فإنه نص فيهما على المسلمين، ومن قال من أصحابنا أن الكفار غير مخاطبين بالشرائع احتج بهذا الكلام ومن قال هم مخاطبون قال: أراد الشافعي فرض الأداء؛ لأنه لا يصح أداؤها من الكافر.

مسألة: قال (٢): "والعبَيدُ لا مَالَ لَهُم".

وقد ذكرنا [٢٢٢ أ/٤] هذا وهل تجب على السيد ابتداء أم تجب على العبد ثم يتحملها السيد؟ وجهان: أحدهما: تجب عليه لأن وجوبها في ماله فكانت عليه كفطرة نفسه، وأما المدبر والمعتق نصفه وأم الولد قال في "الأم": هؤلاء في حكم العبد القن، وقال في المكاتب: لا يلزمه أن يزكي عنه ولا يلزمه أن يزكي نفسه وهذا لأن المكاتب ناقص الملك، ولهذا لا تلزمه الزكاة في ماله، فكذلك زكاة الفطر ويجري مع سيده مجرى الأجنبي فلا يلزمه زكاة فطره بحكم الملك، وروى أبو ثور عن الشافعي قولًا في القديم: إن فطرته على سيده لقوله صلى الله عليه وسلم: "المكاتب عبد ما بقي عليه درهم" (٣) ولأن أكثر ما فيه ضعف ملكه، وذلك لا يوجب سقوط فطرته كالآبق وهذا غلط، لأن الآبق لم يصر في حكم الأجنبي معه في شيء من الأحكام. وقال أحمد: يجب زكاة فطره في كسبه كنفقته، وقال ابن سريج: يلزمه أن يؤدي عن نفسه ويلزمه أن يزكي عن عبده أيضًا، تشبيهًا بالنفقة.

فرع

لو ارتد عبده عن الإسلام في هلال شوال ثم أسلم فيه ثلاثة أوجه [٢٢٢ ب/٤]


(١) انظر الأم (٢/ ٥٣).
(٢) انظر الأم (٢/ ٥٣).
(٣) أخرجه مالك في "الموطأ" (٢/ ٧٨٧)، وأبو داود (٣٩٢٦، ٣٩٢٧)، والنسائي (٢٥٢٦)، والحاكم (٢/ ٢١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>