للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك صاع يلزمه إخراجه في الفطرة وإن كان معه من تجب نفقته يعتبران بفضل عن نفقتهم ذلك وجملته أنه يجب عندنا على الغني والفقير ولا يعتبر نصاب الزكاة في وجوبها، وقال به أبو هريرة رضي الله عنه وابن سيرين والشعبي وعطاء والزهري وأبو العالية ومالك وأحمد وأبو ثور وابن المبارك.

وقال أبو حنيفة: لا يجب إلا أن يملك نصابًا أو ما قيمته قيمة النصاب وهذا غلط لما روى ابن أبي صعير [٢٣٧ ب/٤] عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "صاع من بر عن كل صغير أو كبير حر أو عبد ذكر أو أنثى غني أو فقير أما غنيكم فيزكيه الله وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطى".

مسألة: قال (١): "وَإنْ لَم يكنْ عِندهُ بعدَ القوتِ ليومه إلا ما يؤدِّي عن بعضهم".

وهذا كما قال: إذا فضل عن قوته وقوت عياله فضل نظر فإن فضل ما يؤدي به الفطرة عن نفسه وعنهم أخرجها كيف شاء من غير ترتيب وقدم من شاء وإن لم يفضل ذلك لا يخلو الفاضل من أحد أمرين، إما أن يكون صاعًا أو أقل من صاع، فإن كان صاعًا نظر فإن لم يكن هناك من يلزمه فطرته سواه أخرج عن نفسه، وإن كان هناك غيره كالزوجة والأولاد والوالدين أخرج ذلك، ولكن هل فيه ترتيب؟ اختلف أصحابنا فيه على وجوه:

أحدها: يخرج ذلك عمن شاء من غير ترتيب وهو ظاهر نصه؛ لأن واحد منهم لو انفرد تلزمه فطرته، فإذا اجتمعوا تساووا.

والثاني: لا بد من الترتيب كما في النفقة وعليه أكثر أصحابنا. فإذا قلنا بهذا اختلف أصحابنا في كيفية الترتيب؛ فمنهم من قال: [٢٣٨ أ/٤] يبدأ بنفسه قبل كل أحد لقوله صلى الله عليه وسلم: "ابدأ بنفسم ثم بمن تعول" (٢) ولأن في النفقة يبدا بنفسه ثم بغيره كذلك في الفطرة وكذلك إذا أصابته وأهله جنابة ووجد ماء يكفي لواحد يبدأ بنفسه ومن أصحابنا من قال: يبدأ بفطرة زوجته قبل نفسه. لأن نفقتها مقدمة على فطرته وفطرتها تجري مجرى نفقتها فوجب أن يقدم على فطرته والمذهب الأول، وعليه التفريع فإن كان هناك صاع آخر اختلف أصحابنا فيه قال أبو إسحاق: أخرج ذلك عن زوجته وقدمها على كل أحد لأن نفقتها تجري مجرى المعاوضة فتقدم على المواساة ومن أصحابنا من قال: فطرتها مؤخرة عن جميع الأقارب. قال ابن أبي هريرة: لأن المسب هو أقوى من الزوجية فإنه يمكن رفعها بخلاف النسب والمذهب الأول فإن كان هناك صاع آخر قال أبو إسحاق: أخرج عن ولده الصغير الفقير قبل الكبير وقيل: الأب لأن نفقته تجري مجرى نفقته ويثبت والنص، قال الله تعالى: {وعَلَى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: ٢٣٣] الآية، ولآن نفقته تلزم الذمة فإن الأم تستدين ذلك ثم ترجع على الأب. ومن


(١) انظر الأم (٢/ ٥٦).
(٢) أخرجه مسلم (٤١/ ٩٩٧)، والنسائي (٥/ ٧٠)، والبيهقي في "الكبرى" (٧٧٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>