للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محتملة في ذلك، وهكذا لو أمكنه المسير، ولكن تعذر عليه تحصيل الآلة التي يحتاج إليها في الطريق من الدلو، والقربة، ونحو ذلك، أو كانت تباع بأكثر من ثمن المثل، أو يكري الراحلة بأكثر من كري المثل لم يستقر عليه أيضاً، ولو قدر على المسير وحده لا يلزمه أيضًا حتى يمكنه المسير مع الرفقة، فيخرج في رفقتهم لأنه إذا سافر وحده فقد خاطر بنفسه، وماله. ولو كانت بينه وبين مكة طريق آهلة يستغني فيها عن الرفقة إلا من يلزمه الخروج لأن القصد من مسير الناس التماس الأمن، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤم البيت لا تخاف إلا الله والذئب». قال عدي بن حاتم راويه: لقد رأيت الظعينة تخرج من الحيرة وتطوف بالكعبة بلا جوار (١). وروي أنه قال: «يا عدي بن حاتم لا تقوم الساعة حتى تأتي الظعينة من الحيرة، ولم يكن يؤمئذٍ كوفة حتى تطوف بهذه الكعبة» (٢)، فأثنى عليها إذا خرجت والطريق آهلة»، وهذا يدل على أن الرجل والمرأة يستويان في وجوب الحجّ من غير انتظار الرفقة إذا كانت الطريق آهلة إن تصور ذلك، ولو أن الناس ساروا، وتقاعد عنهم هذا المستطيع، فأحصر الناس في عامهم ذلك، فانصرفوا خائبين، ثم مات هذا المتسطيع في تلك السنة لقي الله تعالى ولا حج عليه لأنه لو خرج معهم لصدّ كما صدوا، ولم يعش ليتمكن في السنة القابلة من الحج. فإذا تقرر هذا فكل موضع، قلنا: مات وعليه حجة الإسلام، فإن كان خلف مالًا يلزم قضاء الحج من تركته، وإن لم يخلف مالًا، فإن حجّ وارثه متبرعًا، أو أمر أجنبيًا فحجّ عنه فقد سقط الفرضُ [١٧/ أ] عن الميت، وقال الشافعي في كتاب «المناسك»: إذا مات الرجل وقد وجبت عليه حجة الإسلام فتطوع متطوع قد حجّ حجّة الإسلام بالحجّ عنه أجزأ عنه، ثم لا يكون لوصية أن يخرج من ماله شيئًا ليحج عنه غيره ولا أن يعطي هذا عنه شيئًا لأنه حج متطوعًا، وهذا نص على أنه يجوز حجّ الأجنبي عنه، ويفارق العتق عنه في الكفارة في أحد الوجهين لأنه يقتضي الولاء وثبوت الولاء يقتضي الملك، فلا يمكن ذلك. فإن قيل: أليس في حال الحياة لو حج عنه بغير أمره لا يجوز وفي قضاء الدين لا يفرقون بين أن يؤدي عنه الأجنبي في حياته، أو بعد وفاته في الجواز؟ قلنا: الفرق أن في حال الحياة هو من أهل الإذن وبعد الموت خرجَ أن يكون من أهله، ولا يشبه الدين لأنه لا يفتقر قضاء الدين إلى النيّة بخلاف الحج، فلا يجوز أداؤه من غير نيته إذا كان هو من أهل النية، ويجوز إذا لم يكن هو من أهل النية، وقال أبو حنيفة ومالك: إذا مات سقط عنه الحج، ولا يحج عنه إلا أن يوصي فيحج عنه من يليه، وقيل: إنه قول للشافعي لأنه عبادة بدنية، وهو غيريب وبقولنا المشهور، قال أحمد والثوري وإسحاق: والدليل عليه ما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلًا قال: يا رسول الله إن أختي نذرت وماتت قبل أن تحج، أفأحجّ عنها؟ فقال: «لو كان على أختك دين أكنت قاضيه»، قال: نعم: قال: «فاقضوا الله تعالى فهو


(١) أخرجه الدارقطني (٢/ ٢٢٢).
(٢) أخرجه البخاري (٣٥٩٥)، وأحمد (٤/ ٢٥٧، ٣٧٨)، والدارقطني (٢/ ٢٢١)، والطبراني في «الكبير» (١٧/ ٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>