للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأخذ ويوكله الحرام، ولا يجوز ذلك، وهذا لو وجب حمل اليسير لوجب حمل الكثير أيضًا عند الإمكان، وهو يؤدي إلى ما لا سبيل إليه. ولو دفع الإمام شيئًا من مال بيت المال إلى قوم ليدفعوا اللص عن الطريق جاز لأنه من المصالح، وكذلك لو دفع واحد من الرعية من ماله خاصة، ولا يكره ذلك وله فيه ثواب كثير.

ولو كان يجن ويفيق فدامت إفاقته، وله مال إلى أن خرج حجاج بلده وفرغوا من الحج حكمنا باستقرار وجوب الحج عليه، فإن جنّ في خلال ذلك حج عليه، ولو كان سفيهًا مبذرًا، وله مال، فالحجّ يلزمه وعلى الولي أن يخرج به إلى الحج أو يستأجر من يحمله إلى الحج ولا يدفع المال إليه، بل ينفق عليه ذلك الأمين المشرف عليه.

مَسْألَةٌ: قالَ (١): ولا يتبين لي أن أوجب عليه ركوب البحر للحج.

الفَصْلُ

إذا كان بينه وبين مكة بحر [١٨/ ب]، ولا طريق له في البر، فقد قال الشافعي ههنا: ولا يتبين لي أن أوجبه عليه، وهكذا قال في «الأم» لأن الأغلب من ركوب البحر الهلكة، وقال في «الإملاء»: واجب لمن قدر على المشي أن يمشي، وكذلك إن قدر على ركوب البحر، ولا يجب عليه إلا أن لا يكون له طريق أبدًا إلا في البحر، ويكون طلب معاشه في البحر فيكون هذا سكن مسكنًا طريقه في البحر كطريق أهل البر في البر». وقال في موضع آخر: وإذا اتّجر قومٌ في بحر، وكانت تجارتهم ومعاشهم فيه فلا يتبين لي إن أسقط عنهم فرض الحج، فمن أصحابنا من قال: في المسألة قولان:

أحدهما: لا يلزمه لأن خوف البحر كخوف العدو أو كثر، وبه وصف الله تعالى أمر البحر في كتابه في مواضع.

والثاني: يلزمه؛ لأن الناس يتعودونه، والغالب منه السلامة، فهو كالبرّ، ولا فرق على هذه الطريقة بين أن يكون بحرًا، أو نهرًا عظيمًا يحتاج فيه إلى ركوب السفينة وبين أن يكون قد تعود ركوب السفينة، أو لم يتعود لأن الخوف موجودٌ كما لو كان في الطريق عدو، لا يلزمه سواء كان الرجل جبانًا، أو شجاعًا، وإن اضطرب البحر في ذلك الوقت وتموّج بخلاف العادة لا يجب عليه ركوبه قولًا واحدًا لأن الغالب الهلاك في هذا الوقت، ومن أصحابنا من قال: هذا على اختلاف حالين، فإن كان الغالب الهلاك مثل البحار الكبار، فلا يجب وإن كان الغالب السلامة مثل الأنهار العظام والبحار في بعض المواضع يجب، وهو ظاهر عليه في الأمر، وهو اختيار أبي إسحاق والاصطخري. وبه قال أبو حنيفة. ومن أصحبانا من قال: هذا على اختلاف حالين من وجه آخر، فإن كانت عادته ركوب البحر ومعيشته [١٧/ ب] فيه يلزمه، وإلَّا فلا وأشار إلى هذا في «الإملاء». قال في «الحاوي» (٢): هذا هو المذهب. ومن أصحابنا من قال على حالين من وجه آخر، فإن كان أهل جزيرة في البحر، وطريقه في البحر كطريق أهل البر في البر لا يخاف الغرق أسلمه بالسباحة وحدته في ذلك، وصار ذلك انتقاله، وعادة تلزمه، وإلا


(١) انظر الأم: (٢/ ٩٨).
(٢) انظر الحاوي للماوردي (٤/ ١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>