يقع عن جهة أن بعض الرواة يسمع حديثاً مفسراً، فيرويه مجملاً، أو محملاً، فيرويه مفسراً مثل أن يقول قائل: مررت نفلاً، وقد زالت الشمس فأذن وأقام وصلى أربع ركعات، فيروي السامع أن فلاناً صلى الظهر، وهذا على ظاهر ظنه يروي، فلعل فلاناً قضي فائتة، أو صلى بفلاة، أو غير ذلك، وكذلك وقع في أمر الزكاة لما قال صلى الله عليه وسلم:"إذا زادت الإبل على مائة وعشرين استؤنفت الفريضة"، قال الراوي في خمس شاه لأن الظاهر من الأسباب هكذا ذكره أصحابنا والقفال معهم في الاعتذار عن هذا الفصل.
وقال بعض أصحابنا:[٤٠/ب] يحتمل أن يكون له مقصود غير هذا، وذلك أن الشافعي ذكر في أول الباب، اختيار الإفراد، واستدل عليه بالحديث ثم حكى المزني ما قال في اختلاف الأحاديث من تفضيل التمتع على الإفراد، ثم عطف عليه الاعتراض على حديث الإفراد، فكأنه لما اختار التمتع في قوله الثاني اشتغل بالاعتراض على أحاديث الإفراد، وهذا هو النظم المستقيم في الكلام، وإنما يتناقض لو عطف اعتراضه هذا على اختيار الإفراد، وأما إذا عطفه على اختيار التمتع فلا تناقض في ظاهره. ثم بين الشافعي أن الأخبار وإن اخنتلف في كيفية حج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس ذلك مما يضر شيئاً، فقال (١): وقال فيما اختلفت فيه الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مخرجه يعني عند خروجه إلى الحج ليس شيء من الاختلاف أيسر من هذا وإن كان الغلط فيه قبيحاً من جهة أنه مباح لأن الكتاب ثم السنة ثم ما لا أعلم فيه خلافاً يدل على أن التمتع بالعمرة إلى الحج، وإفراد الحج والقران واسع كله، وأراد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حج حجة الوداع قال لأصحابه:"خذوا عني مناسككم"، فنقلوا عنه مناسكه فاتفقت رواياتهم في بعض المسائل، واختلفت في بعضها.
قال الشافعي: أيسر الاختلاف ما وقع من اختلاف الروايات في إحرام رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن بعض الرواة روى أنه كان قارناً، وروى آخرون أنه كان مفرداً، وروت طائفة أنه كان متمتعاً وإنما هان أمر [٤١/أ] هذا الاختلاف لأن جميع ذلك مباح بالقران والسنة والإجماع. وأراد بالكتاب قوله تعالى:{فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الحَجِّ}[البقرة: ١٩٦] الآية، تدل على إباحة الإفراد، وقوله تعالى:{وأَتِمُّوا الحَجَّ والْعُمْرَةَ لِلَّهِ}[البقرة: ١٩٦]، تدل على إباحة القران.
وأراد بالسنة ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بعض أصحابه بالتمتع وهو من لم يسق الهدى، وأمر علياً رضي الله عنه بالإفراد، وكان قد ساق الهدى، وأمر عائشة بالقران على ما رويناه من قبل فثبت بالسنة أن كل ذلك مباح، وأراد بما لا علم فيه خلاف الإجماع، ولا خلاف بين الأمة في إباحة الكل، وكلن هذا الاختلاف قبيح جداً ممن يروي كيفية إحرامه لأنه حج تلك الحجة الواحدة، وكانوا حافين حوله، ثم اختلفت رواياتهم كل هذا الاختلاف ثم قال: وثبت، أي وثبت الحديث أنه صلى الله عليه وسلم خرج ينتظر القضاء، فنزل عليه القضاء على ما ذكرنا، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لو استقبلت من أمري" الخبر، وأراد أن من سنة من ساق الهدى أن يذبحه عند محله ومحل المعتمر إنما يكون عند المروة، فكرة النبي صلى الله عليه وسلم أن يذبح في ذلك