للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرض وأداء الفرضين في وقت الحج أفضل من أداء فروض واحد لأن ما كثر عمله لله كان أكثر في ثواب الله" يريد أن القياس يدل على تفضيل القران، ولكن إنما يصار إلى القياس بشرط وهو أن يثبت حديث أنس في قران رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يعارض أحاديث من يروي الإفراد [٤٢/ب]، ثم إذا تقابل الأحاديث صرنا إلى القياس، ثم كشف قياسه الذي احتج به أن القارن يأتي بالنسكين معاً في الوقت الأفضل، وهو وقت الوقوف، ويوم النحر، ولا يتأتى في ذلك للمفرد والعمل الأكثر في الوقت الأفضل أفضل من الاقتصار على العمل القليل في الوقت الأفضل، وجوابه: أن القارن يقتصر يوم عرفة على الوقوف والمفرد يفعل ذلك، ثم إن القارن يطوف يوم النحر فيباشر سائر مناسك ذلك اليوم، والأيام التي تليه، والمفرد يفعل ذلك أيضاً، ثم يحرم المفرد بعمرة، ويكملها على حدة فكثرة العمل مع المفرد لا مع القارن، وقد قال عليه السلام: "عمرة في رمضان تعدل حجة" (١).

وأعلم أن مذهب المزني مثل مذهب الشافعي أن القارن يطوف طوافاً واحداً، ويسعى سعياً واحداً، ولا يكاد يبين ترجيحه مع هذا المذهب. وقيل: أن المزني توهم أن الشافعي جعل الحجة المفردة بلا عمرة أفضل من الحجة المقرونة بالعمرة، فاعترض بهذا. قلنا: ليس على ما توهمت، بل الإفراد الذي هو أفضل خلاف هذا على ما تقدم بيانه، وذلك أكثر عملاً بلا إشكال، لأن أعمال العمرة في القران تدخل في أعمال الحج، وحكى عن ابن سريج أنه كان يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متمتعاً. فمن روى أنه أفرد حجه بعدما اعتمر، ومن روى قرن أراد جمع بينهما في عام واحد، وكان جمعهما على التوالي، أو على المقارنة فعلاً عقيب فعل، واحتج من قال: التمتع أفضل [٤٣/أ]، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان متمتعاً بما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هذه عمرة استمتعنا بها فمن لم يكن عنده فيحل الحل كله، وقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة" (٢). قلنا: أراد به أنه تمتع مع أصحابه، وهو كما يقول الرجل الرئيس في قومه: فعلنا كذا، وهو لا يباشر بنفسه فعل شيء من ذلك، وإنما هو حكاية عن فعل أصحابه يضيفها إلى نفسه على معنى أن أفعالهم صادرة عن رأيه. واحتج من قال: القران أفضل بما روى عن البراء بن عازب، قال: كنت مع علي رضي الله عنه حين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال له: "كيف صنعت فقال: قلت: أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "فإني سقت الهدي وقرنت" (٣)، قال الإمام أبو سليمان الخطابي: وهذا صريح البيان بأنه كان قارناً، لأنه صلى الله عليه وسلم أعلم بما كان نواه قلنا: يحمله على قران الموالاة والضم دون الجمع.


(١) أخرجه النسائي (٤٢٢٥)، وابن ماجة (٢٩٩٢)، وابن عبد البر في "التمهيد" (٢٢/ ٦٠).
(٢) أخرجه مسلم (٢٠٣/ ١٢٤١) وأبو داود (١٧٩٠)، وأحمد (١/ ٢٣٦، ٣٤١)، والدرامي (٢/ ٥١)، والبيهقي في "الكبرى" (٨٨٦٣).
(٣) أخرجه البخاري (١٥٥٩، ١٥٦٥، ١٧٩٥)، ومسلم (١٥٤/ ١٢٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>