وإذا عدم المتمتع المال, ولا يرجو وجود المال في أيام الحجّ, فلأولى أن يعجل الصوم لأن المبادرة إلى أداء العبادة أولى, وإن كان لا يجد المال في الوقت, ولكنه بناء على ما لو لم يجد الماء إلا أنه يتحقق الماء في آخر الوقت, ولو كان لا يتحقق وجود الهدي, ولكن يرجو وجُده له أن يصوم, وهل الأفضل له أن يعجل أم يؤخر؟ وجهان: كالحكم فيمن يرجو وجُود الماء بعد دخول وقت الصلاة وهو يرجو وجود الماء في آخر الوقت, قولان. ثم إذا انتقل إلى الصيام, فهي عشرة أيام ثلاثة أيام في الحجّ وسبعة إذا رجع ووقت صيام الثلاثة ما بين الإحرام بالحجّ, ويوم النحر يكون آخره يوم عرفة, لأن الصوم لا يصحّ بعده, فإن أراد صيام الثلاثة قبل إحرامه بالحجّ لا يجوز.
وقال أبو حنيفة: يجوز أن يصوم إذا أحرم بالعمرة, وناقض في ذلك حين لا يجوز الهدي في ذلك الوقت مع أنه ماليًا, ويجوز الصوم مع كونه عبادة بدنية, وهو بدل الهدي, أو يقول: كل وقت لا يجوز فيه المبدل [٤٩/ ب] لا يجوز فيه البدل أصله قبل الإحرام بالعمرة, أو صوم ولجب, فلا يجوز تقديمه على وقتِ وجوبه كصوم رمضان. وعن أحمد روايتان:
أحدهما: كقول أبي حنيفة.
والثانية: يجوز بعد التحلل من العمرة, فإذا تقرر هذا, فإن لم يصم الثانية حتى جاء يوم النحر, فالمذهب أنه يصوم بعده, ولا يفوت بفوات يوم عرفة. وبه قال مالك: لأنه صّوم واجب, فلم يسقط بفواتِ وقتهِ كصوم رمضان.
وقال ابن سريج: يحتمل قولاً مخرجًا أنه يسقط بفواتِ وقته إلى الهدي, ولا يجوز الصوم بحالٍ, ويستقر الهدي في ذمته, ولا يلزمه لتأخير الصوم شيء. وبه قال أبو حنيفة, إلا أنه يقول: يلزم دم آخر للتأخير, وهذا التخريج من ابن سريج مما قال الشافعي إذا وجب عليه الصوم بالإحرام بالحجّ, فمات عقيبه فيه قولان:
أحدهما: عليه الهدي.
والثاني: لا شيء عليه, فأسقط عنه بالموت, فكذلك بفوات الحجّ, وهذا تخريج بعيد لأن صوم رمضان يسقط بالموت إذا مات قبل التمكن من أدائه, ولا يسقط بفوات وقته, كذلك ههنا. وحكي عن أحمد أنه قال: إن أخّر الصوم من غير عذر وجب عليه دم آخر للتأخير. وهذا غلط لأنه صّوم يجب بفواته القضاء, فبم تجب به كفارة كصوم رمضان, ولأنه يستحيل وجوب مثل المبدل معه في الأصول, فإذا قلنا: له الصيام بعده لم يجز أن يصوم يوم [٥٠/ أ] النحر. وفي أيان التشريق قولان:
أحدهما: قاله في "القديم": يجوز له أن يصومها, وبه قال ابن عمر وعائشة ومالك وأحمد في رواية لما روي عن عائشة رضي الله عنها, قالت: رَخص رسول الله صلى الله عليه وسلم