القصر، فإن جاوز ذلك لا يلزمه الرجوع، وأجزأه دم. جملة هذا أن الطواف في الحجّ ثلاثة طواف القدوم، وطواف الزيارة وطواف الوداع، فأمّا طواف القدوم، فهو أن الحجّ أو المقيم، أو غيرهما إذا دخل مكة يستحب له أن يطوف بالبيت عند قدومهِ، وهذا الطواف ليس من مسنونات الحجّ، ولا من أفعاله الراتبة، بل هو تحية المسجد ألا تري [٥٤/ب] أن المكي لا يفعله، فإن تركه لم يلزمه شيء، وذكر القفال في "شرح التلخيص" قولا مخرجًا يلزم دم قياساً علي طواف الوداع، وليس بشيء، وأمّا طواف الزيارة هو أن الحاج إذا فرغ من الوقوف، والمبيت بمزدلفة عاد إلي مكة وطاف طواف الزيارة، وهذا ركن في الحج تركه يبطل الحجّ، ولا يجبر بالدم بحال، وأما طواف الوداع فهو ما ذكرنا. وهل يجب الدم بتركه؟ قولان:
أحدهما: يجب، نصّ عليه في " الأم".
والثاني: لا يجب، نصّ عليه في "الإملاء". فإذا قلنا: يجب، فإن ذكر قبل أن يجاوز ما لا يقصر إليه الصلاة يلزمه أن يرجع، لأنه بعيد من حاضري المسجد الحرام، فأشبه إذا ذكر، وهو بمكة، وإذا رجع وودعَ لا يلزمه الدم، وإن ذكر، وقد جاوزه استقر عليه الدم، فإن رجع وودع لم يسقط عنه. وقال بعض أصحابنا بخراسان: فيه وجه آخر أنه يسقط عنه الدم، وإذا قلنا: لا يجب استحببنا له العود، وإن ذكر بعدما جاوز استحببنا له الدم، وقال مالك: حاضر المسجد الحرام من كان أهله في الحرم. وروي هذا عن ابن عباسٍ ومجاهد والثوري، وحكي عن مالك أنه قال: من كان بمكة وذي طوي. وقال أبو حنيفة: من كان في المواقيت، أو دونها مما يلي مكة. وهذا غلط لأن الحضور عند العرب عبارة عن المقاربة، فمن حلّ بالحرم والميقات لزمه أن يعد القرب من الغائبين، وهو إذا كان يسكن التنعيم فإنه حلّ أو يسكن العقيق، فإنما قبل الميقات ويجعل البعيد من الحاضرين، وهو من يسكن ذا الحليفة من الحاضرين عند أبي حنيفة وبينه وبين مكة قريب مائة فرسخ. وهذا محال، ولأن اعتبارنا أولي لأنه بمنزلة الحاضر فيه [٥٥/أ] في أنه لا يترخّص ترخّص المسافرين إذا قصده.
فَرّعُ
يعتبر مسافة القصر في حق حاضري المسجد الحرام من عمارة مكة، أو من الحرم وجهان:
أحدهما: من عمران مكة لأن الله تعالي قال: {لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ}[الإسراء:١]، وإنما أسري به من بيت أمّ هانئ.
والثاني: من الحرم لأن الله تعالي قال: {فَلا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ}[التوبة:٢٨]، وأراد جملة الحرم.
فَرّعُ آخرُ
لو كان للإنسان منزلان، منزل في موضع لا تقتصر إليه الصلاة من الحرم، ومنزل تقصر إليه الصلاة منه، فإن كان في مقامه في أحدهما أكثر كان الاعتبار به. وإن كان مقامه فيهما