للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العراق، وإنما وقت بعده ذات عرق (١)، وقال الشافعي في موضع: ولا أراه إلا كما قال طاوس. وروى أبن جريج عن عطاء قال: وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق ذات عرق (٢)، قال ابن جريج: فراجعت عطاء، فقلت: إن الناس يقولون: لم يوقت ذات عرق، فقال: سمعنا له وقت لأهل المشرق ذات عرق، والعقيق، فكان عطاء يذهب إلي أن ذلك منصوص عليه وطاوس يذهب إلي أن ذلك غير منصوص عليه.

والشافعي اختار في (الأم) هذا، فقال: لم يبنيه النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أجمع عليه الناس، ووجه ما روي أنه قيل لعمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوقت لأهل المشرق، ولو أردنا قرن شق علينا، فقال بعضهم: ذات عرق. وقال بعضهم: العقيق، فوقت عمر رضي الله عنه لهم ذات عرق. وهذا كان بعد فتح العراق لأهل العراق (٣)، ومن أصحابنا من قال بقول عطاء، وقال: قد صح الحديث، ولكنه لم يكن وقع إلي الشافعي [٥٧/أ] ولو وقع لقال به، وهو ما روت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق (٤). أورده أبو داود. وكذلك رواه الحارث بن عمروا السهمي. وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق العقيق (٥). قال أبو سليمان الخطابي: وهذا أثبت منه في ذات عرق. قال الشافعي: (ولو أهلوا من العقيق كان أحب إلي" لرواية ابن عباس رضي الله عنهما، ولأنه أبعد من ذات عرق، فالإهلال منه أحوط، وذات عرق اسم قرية، والعقيق واد قبل ذات العرق بقريب.

ثم المستحب في كل قرية هي ميقات أن يحرم من طرفها الأقصى ليقطع عمارة تلك القرية محرمًا، فإن أحرم من طرفها الأدني إلي مكة قبل أن يفارق عمارتها جاز.

فإن قيل: كيف تصح الراوية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذات عرق وأهل العراق كانوا مشركين؟ قيل: إنه وقت ذلك لعلمه بأنهم يسلمون وأنها تصير دار الإسلام كما قال لعدي بن حاتم: (يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤم البيت لا جور معها لا تخاف إلا الله) وبهذا قال أحمد وأصحاب أبي حنيفة. وأعلم أن بعد المواقيت ذو الحليفة علي عشر مراحل من مكة علي ميل من المدينة ويليه في البعد الجحفة، والمواقيت الثلاثة على مسافة واحدة بينها وبين مكة ليلتان قاصدتان.

مسألة: قال (٦): (والمواقيت لأهلها، ولكل من يمر بها ممن أراد حجًا أو عمرة).

من كان مقيماً بالمقيمات إذا أراد أن يحرم بالحج أو بالعمرة فإنه يحرم من الميقات الذي هو به، وكذلك من كان بلده وراء الميقات يحرم منه، وكذلك من مر بالميقات


(١) أخرجه الشافعي (١/ ٢٩١) ترتيب المستند.
(٢) أخرجه مسلم (١٨/ ١١٨٢).
(٣) أخرجه البخاري (١٥٣١).
(٤) أخرجه أبو داود (١٧٣٩)، والنسائي (٢٦٥٦).
(٥) أخرجه أحمد (١/ ٣٤٤)، وأبو داود (١٧٤٠)، والترمذي (٨٣٢)، والعقيق: واد يدفق مأوه في غوري تهامة. قال الأزهي: هو حذا ذات عرق.
(٦) أنظر الأم (٢/ ٦٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>