للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولبلده ميقات آخر يلزمه الإحرام من هذا الميقات سواء كان حاجاً أو معتمراً أو فارنًا [٥٧/ب] ولا يحتاج إلي أن يخرج إلي ميقات أهل بلده لما روي في خبر ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما ذكر في المواقيت لأهلها: "ولكل آتٍ أتي عليها من غير أهلها ممن أراد حجًا أو عمرة" ومن كان دون ذلك، فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة يهلون منها، ومن كان أهله دون هذه المواقيت ما بينها وبين مكة فدويرة أهله ميقاته سواء كان في قرية أو حلل بادية حتى يأتي ذلك على أهل مكة فإن ميقاتهم من جوف مكة، ولا يزمهم المضي إلي الميقات للإحرام. قال في "الأم" (١): "وأقل ما يلزمه أن لا يخرج من بيوتها حتى يحرم، "وأقل ما يلزمه أن لا يخرج من بيوتها حتى يحرم، وأحب إليّ أن يحرم من أقصى بيوتها". وحكي عنه أنه قال في "الإملاء": "يحرم من بيته أو من مسجد قريته وهذا فلا بأس به". وإذا كان في الحلة فلا يفارق البيوت إلا محرماً وتكون الحلة بمنزلة القرية، وإن كان قاطنًا بمكة فلا يخرج من بابها بأعلي عرفة إلا محرمًا، فإن خرج من البنيان في هذه المواضيع غير محرم كان كمن جاوز الميقات غير محرم، والأفضل أن يحرم من الطرف الذي هو من عرفة أبعد، ولو أن مدنياً وافي من المدينة فميقاته ذو الحليفة لا يلملم دون ذي الحليفة، وإن كان اليمني بالمدينة فميقاته ذو الحليفة لا يملم، وإن سلك طريقاً آخر فقد بينا حكم من مر بميقات الغير، وكل ميقات وقته رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الأفضل، فإن نقلت تلك القرية إلي مكان آخر فالميقات مكان الأولى دون المحدثة، فإن ذات عرق قد غيرت، فالميقات ذات عرق للأولى. وروى الشافعي بإسناده أن سعيد بن جبير رأي رجلًا يريد أن يحرم من ذات عرق فأخذ [٥٨/أ] بيده حتى أخرجه من البيوت، فقطع به الوادي وأتى به إلي المقابر، ثم قال: هذه ذات عرق الأولى.

فإن قيل: قال الشافعي عقيب هذه المسألة (٢): وأيهم مر بميقات غيره ولم يأت من بلده، كان ميقاته ميقات ذلك البد الذي مره به، وقد سبق هذا المعني في قوله، والمواقيت لأهلها ولمن عبر عليها ممن أراد حجًا، أو عمرة فما فائدة هذا العطف؟ قلنا: ربما يختلف النسخ، ففي بعضها فأيهم مر بميقات غيره بالفاء، وفي بعضها بالواو، فإن كان بالفاء فهذا السؤال ساقط والإشكاك زائل لأن آخر الكلام يصير تفسيراً لأوله على نوع من البسط وترك الإيجاز، وإن كان بالواو، فلا بد من زيادة فائدة، وتلك الفائدة أن يقال: المجتازون بالميقات ثلاثة: منهم من أقبل من بلده، ولبلده ميقات معلوم، فعليه أن يحرم من ميقاته. وهذه غير مقصودة بالمسألة الأولى التي ذكر بها المرور ولا بالمسألة الثانية، وإنما هي مقصودة بقوله: والمواقيت لأهلها.

والثاني، قوم ليس لهم ميقات، ولا بقربهم. فبين بقوله: ولم يمر عليها أن كل ميقات مر عليه هؤلاء فهو ميقاتهم بمرورهم.

والثالث: قوم لبلدهم ميقات معلوم أقبلوا من طريق غير طريق بلدهم فربها يتوهم متوهم أن عليهم التحري بمحاذاة ميقات بلدهم بخلاف قوم ليس لبلدهم ميقات قريب،


(١) أنظر الأم (٢/ ١١٩).
(٢) أنظر الأم (٢/ ٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>