للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعليه دم" (١)، وقال أبو الشعثاء: رأيت ابن عباس يرد من جاوز الميقات غير محرم إليه. وروي عن الحسن والنخعي أنهما قالا: الإحرام من الميقات مستحب، فإن تركه لا شيء عليه، وقال سعيد بن جبير: إذا أحرم قبل الميقات لا ينعقد كإحرام الصلاة، إذا وقع فاسدًا وهذا غلط لانه لو أحرم بالصلاة بعد خروج وقتها لم تبطل كذلك ههنا ولو مر بالميقات مريدًا للنسك فجاوزه ناسيًا، أو جاهلًا، ثم علم فإن قدر علي العود يستحب له العود، فإن لم يعد، وأحرم دونه يلزمه الدم لأنه ترك المأمور، فلا فرق فيه بين السهور وبين العمد. والثاني: أن يجتاز به ولا يريد حجًا ولا عمرةً، ولا دخول الحرم وإنما يريد قضاء حاجةٍ بين الميقات والحرم لا يلزمه الإحرام، فإن جاوزه، ثم بدا له أن يحرم بنسك أحرم من موضعه لأن حكمه حكم من هو من أهل ذلك الموضع. وقال أحمد: يلزمه العود إلي ميقات بلده، فإن لم يعد يلزمه دم. وهذا غلط لأن العود إنما يجب علي من لزمه الإحرام من الميقات، وهذا لم يلزمه.

والثالث: أن يجتاز به ولا يريد النسك، ولكنه يريد دخول الحرم؟ فهل يلزمه الإحرام لدخول الحرم. واختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال: لا يلزمه الإحرام، ولكنه يستحب، وبه قال أبو إسحاق، ومنهم من قال: فيه قولان، فإذا قلنا: يلزمه الإحرام لدخول الحرم. واختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال: لا يلزمه الإحرام، ولكنه يستحب. وبه قال أبو إسحاق، ومنهم من قال: فيه قولان، فإذا قلنا: يلزمه الإحرام فعليه أن يحوم منه، فإن جاوزه غير محرم لزمه دم علي ما ذكرنا، وإذا قلنا: لا يلزمه الإحرام، فلو بدا له بعد المجاوزة الإحرام أحرم من موضعه علي ما ذكرنا، وعلي مثل هذا حمل الشافعي ما روي عن أبن عمر رضي الله عنه، أنه أهل من الفرع (٢). قال: تأويله أنه مر بميقاته لا يريد إحراما ثم بدا له فأهل منه أو جاء إلى الفرع مكة، أو غيرها، ثم بدا له الرجوع إلى مكة.

مسألة: قال (٣): وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [٦٠/ب] أنه لم يكن يهل حتي يبعث به راحلته (٤).

المستحب للإنسان أن لا يحرم قبل التوجه إلي البيت ويأخذ في السير، فإن كان راكبًا يحرم إذا انبعثت به راحلته إلي مكة، وإن كان ماشيًا يحرم إذا أخذ في المسير من المسجد الذي صلى فيه ركعتين نص عليه في "المناسك الكبير" لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ركب راحلته فلما ابعتث لبى، وروي خلاف هذا، وهو أنه لما استوت به راحلته علي البيداء لبى حينئذ.

وبه قال مالك، وروي أنه صلى بالميقات ركعتين، ثم أهل عقيبهما، وقد قال الشافعي في "القديم": والمناسك الصغير من "الأم": إذا صلى في موضعه ركعتين احرم في مصلاه، وهو قاعد، وهذا قول أبي حنيفة، وأحمد.

وروي عن ابن عباس أنه جمع بين هذا كله. وقال: كل ذلك قد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فكل


(١) أما الموقوف فرواه مالك (١/ ٤١٩)، وابيهقي في "الكبرى" (٩٦٨٨)، واما المرفوع فرواه ابن حزم من طريق علي بن الجعد، وأعله بالراوي عن علي بن الجعد فقال: انه مجهول. انظر تلخيص الحبير (٩٧٣).
(٢) أخرجه مالك في "الموطأ" (٧٣٢)، والبيهقي في "الكبرى" (٨٩٣٢)، وفي "معرفة السنن" (٢٧٦٢).
(٣) انظر الأم (٢/ ٦١).
(٤) أخرجه البخاري (١٥١٤، ١٥١٥، ١٥٤١)، ومسلم (١١٨٤، ١١٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>