للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحد من الرواة روى ما سمع وحفظ، وأيم الله لقد أوجب في مصلاه وأهل حين استقلت به ناقته، وأهل حين علا شرف البيداء وكل ذلك جائز. وقال سعيد بن جبير: با ابن عباس عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أوجب، فقال: "أنا أعلم الناس بذلك".

خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجًا فلما صلى بذي الحليفة ركعتيه أوجبه في مجلسه، وسمع ذلك منه أقوام، وذلك أن الناس كانوا يأتونه أرسالًا ويسمعوه حين استقلت به ناقته، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما علا علي البيداء أهل وأدرك ذلك منه أقوام، وايم الله .... الخبر، ومن قال: بالأول، قال: اختلفت الراوية عن ابن عباس، فروى عنه أنه قال: اغتسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لبس [٦١/أ] ثيابه، فلما أتى ذا الحليفة صلى ركعتين، ثم قعد علي بعيره، فلما استوي به علي البيداء أحرم بالحج (١)، وقد روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأهل مكة: "إذا رحتم متوجهين إلي منى فأهلوا بالحج" (٢)، ولم تختلف عنه الراوية، وهذا متأخر لأن إحرام أهل مكة كان بعد دخولها يوم السابع، فالأخذ به أولى، فإذا تقرر هذا، وأخذ في السير، فالمذهب أن الأفضل له أن يحرم من دويرة أهله، وإن كان بعيدا من الميقات يكثر. نص عليه في "الإملاء".

وبه قال أبو حنيفة لأن ذلك أكثر في الطاعة والثوانب. وفيه قول آخر نصّ عليه في "الجامع الكبير"، والأفضل له أن يحرم من الميقات. وروى البويطي عن الشافعي أنه قال: إن أهل رجل بالحج قبل الميقات، فهو جائز، والميقات أحب إلي ووجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم قبل الميقات فالاقتداء به أولى، لأن ترك الإحرام قبل الميقات مباح، وإذا أحرم قبله لا يأمن مواقعة المحظور فكان الإتيان بالمباح مع الأمن من الغرر أولى، وبهذا قال مالك وأحمد. وقد روي أنه سئل أبن عباس عن رجل كثير الطاعات كثير المعاصي وآخر قليل الطاعات قليل المعاصي، فقال: السلامة لا يعدلها شيء.

ومن أصحابنا من قال: قول واحد: إنه يسحب له قبل الميقات من دويرة أهله، وحيث قال: لا أحب قبل الميقات، أي: لا يتجرد عن ثيابه، ولا يتشبه بالمحرمين قبل إحرامه، والدليل على صحة هذا ان الله تعالي قال: {وأَتِمُّوا الحَجَّ والْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦]، وروي عن عمر وعلي (٣) وأبي هريرة (٤) رضي الله عنهم أنهم قالوا: إتمامهما أن تحرم بهما من جويرة أهلك. وروت أم سلمة رضي الله عنها، [٦١/ب] قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أهل حجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلي المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ووجبت له الجنة" (٥). رواه أبو داود،


(١) أخرجه البيهقي في "الكبرى" (٨٩٤٥).
(٢) أخرجه البيهقي في "الكبرى" (٨٩٣٨).
(٣) أخرجه البيهقي في "الكبرى" (٨٩٢٨)، وفي "معرفة السنن" (٢٧٧١).
(٤) أخرجه البيهقي في "الكبرى" (٨٩٢٩).
(٥) أخرجه أبو داود (١٧٤١)، وابن ماجه (٣٠٠١، ٣٠٠٢) وأحمد (٦/ ٢٩٩)، وابن حبان (٣٦٩٣)، والدارقطني (٢/ ٢٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>