للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورداء، ونعلين" ولا يشترط أن يكون الرداء أو الإزار يقطعه، بل لو أخذ حرفًا وخالط بعضها إلى بعض جاز، ولو عدل الثوب المصبوغ فما صبغ غزله قبل النسج كعصب اليمن والأبراد الحبرة يجوز، لأنه بالرجال أشبه. وما صبغ بعد نسجه لو لبسه كان عادلًا عن الاختيار يجوز أيضًا لما روي أن ابن عمر رضي الله عنهما أحرم في ثوب معصفر (١). وروي أن عبدالله بن جعفر أحرم في ثوبين مضرجين (٢). وروي أن عقيل بن أبي طالب أحرم في موردتين (٣).

مسألة: قال (٤): "ويتطيب لإحرامه إن أحب قبل أن يحرم".

قال أصحابنا: يستحب لكل من أراد الإحرام أن يتطيب قبل الإحرام، وكذلك أراد التحلل يستحب له أن يتطيب قبل تحلله. وبه قال أحمد، وإسحاق. وروي ذلك عن ابن عباس، وابن الزبير، وسعد بن أبي وقاص، وأم حبيبة، وعائشة، ومعاوية رضي الله عنهم.

وقال مالك: لا يجوز له ذلك قبل الإحرام، وإن تطيب أمر بغصله، فإن لم يغسل وأحرم فقد فعل محرمًا ولا يلزمه الفدية. وبهذا قال عمر، والحسن، وابن سيرين، وعطاء، وسعيد بن جبير، ومحمد رضي الله عنهم. وقيل مثله عن ابن عمر، ولا فرق عندنا بين أن يكون الطيب عينًا قائمة كالمسك والغالية، أو أثرًا كالبخور بالعود والند. واحتج بما روي عن يعلى بن أمية قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم [٦٣/ب] بالجعرانة فأتاه رجل عليه ثياب وهو متضمخ بالخلوق، وروي: عليه ردغ من زعفران، فقال: يا رسول الله إني أحرمت بالعمرة وهذه عليّ فأنزل عليه الوحي، فلما أسرى عنه قال: "أين السائل عن العمرة وقال له: "اغسل عنك أثر الخلوق - أو قال: أثر الصفرة- واخلع الجبة عنك، واصنع من عمرتك ما صنعت في حجك" (٥) وهذا غلط لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرمن ولحله قبل أن يطوف بالبيت قبل النحر بطيب ومسك (٦). وروي أنه قيل لها: بأي طيب؟ فقالت: بأطيب الطيب، وهو المسك. وقالت أيضًا كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم (٧). ووبيص المسك: بريقه. ورؤي ابن عباس محرمًا وعلى رأسه مثل الرب من الغالية (٨). وقال مسلم بن الزبير وهو محرم وفي رأسه ولحيته


(١) أخرجه مالك في "الموطأ" (١/ ٥٣٩).
(٢) أخرجه البيهقي في "الكبرى" (٩١١٥)، والمضرج: المصبوغ بالحمرة.
(٣) أخرجه ابن أبي شبيه في "المصنف" (٣/ ٢٤٢).
(٤) انظر الأم (٢/ ٦١.)
(٥) أخرجه مسلم (٩/ ١١٨٠)، والنسائي (٥/ ١٤٢).
(٦) اخرجه البخاري (١٥٣٩، ١٧٥٤، ٥٩٢٢)، ومسلم (٣١/ ١١٨٩).
(٧) أخرجه البخاري (١٥٣٨)، ومسلم (٣٩/ ١١٩٠).
(٨) أخرجه الشافعي في "المسند" (٧٨٢)، والبيهقي في "الكبرى" (٨٩٦٥)، وفي "معرفة السنن" (٢٧٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>