للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عباس: انتهِ، يعني أمسك، فإنها تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[٧١/ أ] لم يزد على ذلك، وقال أحمد وإسحاق وسفيان؛ لا يزيد على تلبيةَ رسول الله، وقال أبو حنيفة: إن زاد عليها، فهو مستحب كما في تكبيرات أيام التشريق، وهذا غلط؛ لأن إعادتها أفضل من الزيادة فيها بخلاف التكبير، وقد روي عن سعيد بن أبي وقاص أنه سمع بعض بني أخيه يلبّي يا ذا المعا رج، فقال سعد: إنه لذو المعارج، وما هكذا كنا نلبّي على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (١)، وإنما قلنا: لا تضيق الزيادةَ لما روي عن ابن عمر: أنه كان يزيد فيها، لبيك لبيك لبيك، وسديك، والخير بيديك، لبيك والرغباء إليك، والعمل (٢) والرغباء؛ الرغبةَ والمسألةَ وفيه لغتان، يقال: الرغباء مفتوحةَ الراء ممدودة والرغبى مضمومةَ الراء مقصورةَ، وروي عن أنس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في التلبية: "لبيك حقًا حقًا تعبدا ورقًا (٣) " ولو قال: لبيك إله الحق (٤)، قال الشافعي: ليس فيه زيادةً، لأن معناه: لبيك اللهم.

وحكي عن بعض صلحاء السلف أنه كان يقول: لبيك أنت مليك من ملك، ما خاب عبد أملك. وهذا حسن، ولكنه ليس بمسنون عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والصحابة، ثم استثنى الشافعي حالةَ الزيادةً لفظةَ مرويةً فيها، فقادت إلا أن يرى شيئًا يعجبه، فيقول: " لبيك إن العيش عيش الآخرة" (٥)، فإنه لا يروى عنه من وجه يثبت أنه زاد غير هذا، وإنما رويت هذه الزيادةَ عند إفاضته من عرفات لما رأى اجتماع أصحابه عليه، واحترامهم له فكأنه أعجبه ذلك، فروي أنه يقال عند ذلك في نفسه حتى كاد الرحل يواريه، [٧١/ ب] ثم رفع رأسه، فقال هذا: وقيل: إنه قال هذا في أشد حالةً كان فيها وفي أشد حالةً كان فيها وهو يوم حفر الخندق كان هو وأصحابه في تعب، فقال: "اللهم لبيك لبيك، إن العيش عيش الآخرةً، فارحم الأنصار والمهاجرةً". وقال أنس: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى ذا الحليفةَ وعلى رحله قطيفةُ ما تساوي درهمين، فلما استوت به راحلته تواضع في رحله، ثم قال هذا.

ويستحب أن لا يتخللها كلام. وقال في "الإملاء": ولا بأس أن يرن الملبي السلام بين ظهرانى التلبية، ويأمر بالحاجة، ولو ترك الأمر بالحاجة حتى يقضي التلبية كان أحب إليّ. فأما السلام فأحب إلي أن يرده ولا يتركه لأنه فرض فلا يترك للسنةَ، ثم ذكر ما يستحب له أن يختم به التلبيةً، فقال (٦): وإذا فرغ من التلبية صلى على النبي- صلى الله عليه وسلم -، وسأل الله رضاه


(١) أخرجه الشافعي في "الأم" (٢/ ١٣٣)، وفي "المسند" ((١٢٣))، والبيهقي في "الكبرى" ((٩٠٣٦))، وفي "معرفة السنن"؛ ((٢٨١٤)).
(٢) أخرجه مسلم (١٩/ ١١٨٤)، والبيهقي في "الكبرى" ((٩٠٢٧))، وفي "معرفة السنن" ((٢٨١) ٠)
(٣) أخرجه البزار كما في "مجمع الزوائد" (٢/ ٢٢)، والخطيب في "تاريخه" ((٤) ا/ ٢٥١، ٢١٦).
(٤) أخرجه الحاكم ((٤٤٩٨))، والدارقطني ((٢٢٠٨))، والبيهقي في "الكبرى" ((٩٠٣٣))، وأحمد (٢/ ٣٤١)، والبيهقيفي "الكبرى" ((٩٠٣٠))، وفي "معرفة السنن" ((٢٨١٣)).
(٥) أخرجه الشافعي في "الأم" (٢/ ١٥٣)، وفي "المسند" (١٢٢)، وابن خزيمة (٢٨٣١)، والحاكم (١/ ٤٦٥)، والبيهقي في "الكبرى" (٩٠٣٥)، وفي "معرفة السنن" (٢٨١٣).
(٦) انظر الأم (٢/ ١٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>