للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجنةَ، واستعاذ برحمته من النار، فإنه يروى ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا لأن ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجري مجرى ذكر الله تعالى، فكل موضع وجب فيه ذكر الله تعالى وجب فيه ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو في الصلاة وكل موضع سُنّ فيه ذكر الله تعالى سُنّ فيه ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كالأذان والوضوء والإحرام من هذه الجملةً، وروي عن القاسم بن محمد أنه كان يأمر إذا فرغ من التلبيةً أن يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم (١) -، ولأن رجاء استجابةُ الدعاء مقرون بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -على ما ورد في الخبر فاستحب ذلك، وروي عن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا فرغ من تلبيته سأل الله تعالى رضوانه والجنة، واستعاذ برحمتهِ [٧٢/ أ] من النار (٢)، قال (٣): ولأن هذا أعظم ما يسال، ويسال بعد ذلك ما أحب قال والأعجمي إن أحسن بالعربية لبّى بها وإلا لبّى بلسانه، ومن ترك التلبيةَ متعمدًا فقد أساء ولا فديةَ عليه، ولا قضاء وحجته تامة.

وعند أبي حنيفة يلبّي بأي لسان شاء وإن كان يحسن العربية، وقيل: الأصل في التلبية أنها إجابة دعوة لإبراهيم عليه السلام حين بني البيت أمره ربه عز وجل أن يدعو الناس إلى الحج، فقال: إلهي كيف يسمعون دعوتي، فقال: عليك الدعاء، وعلتي الاستماع، فصعد إبراهيم الحجر الذي فيه اليوم مقام إبراهيم عليه السلام -أعني أثر قدمه-، وقال: أيها الناس إن الله تعالى قد بني لنفسه بيتًا، وأمركم آن تحيوا بيته، فأجيبوه، فأجابه من أصلاب الرجال وأرحام الأمهات من يحج إلى يوم القيامة، وإنما قال عليه السلام: لبيك لا شريك لك مخالفاً للمشركين، فإنهم كانوا يقولون: لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك.

مسالة: قال: (٤) والمرأة في ذلك كالرجل.

الفصل

المرأة كالرجل في الإحرام، والتلبية والأركان والمسنن، ولا يختلفان إلا في ثلاثةً أشياء:

أحدها: في رفع الصوت بالتلبية، فإنه يكره لها ذلك كما يكرم لها الجهر بالقراءةً في الصلاةً، فلا تزيد على أن تسمع نفسها، فإن خالفت، فرفعت صوتها لم تحرم لأن صوتها ليس بعورة كما يكره لها كشف وجهها، وإن لم يكن عورةً، وهذا لأن النساء كن يقصدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيستفتينه، فلو كان حرامًا لمنعهن منه، والكراهة بخوف الافتتان.

والثاني: في حكم اللباس، فإن لها أن تلبس المحيط من القميص والسراويل [٧٢/ ب] لما روي في خبر ابن عمر حين ذكر ما لا يلبس الرجل المحرم، قال: ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبّى القفازين وما مسه الورس من الثياب (٥)


(١) أخرجه البيهقي في "الكبرى" ((٩٠٣٨))، وفي "معرفة السنن" ((٢٨١٧)).
(٢) أخرجه الشافعي في "الأم" (٢/ (١٣٤))، والبيهقي في "الكبرى"، ((٩٠٣٨))، وفي "معرفة السنن"
(٣) انظر الأم (٢/ ١٣٤).
(٤) انظر الأم (٢/ ٦٤).
(٥) أخرجه البخاري ((١٥٤٢))، ومسلم (١/ ١١٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>