للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي رواية أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "ولتلبس بعد ذلك ما أحبّت من ألوان الثياب" وفي لفظ لا تنتقب المحرمةُ ولا تتبرقع ولا تتقفز ثم فيها ثلاث مسائل: أحدها: أن الوجه منها كرأس الرجل عليها كشفه بكل حال إلا القدر الذي لا يمكنها تغطية الرأس إلا بستر بعض من الوجه. وقال في "الأم" (١): ولا تغطي جبهتها، ولا شيئًا من وجهها إلا ما لا يستمسك الخمار إلا عليه مما يلي قصاص شعرها، فإن قيل: هلا قلتم بكشف جميع الوجه، ولا يمكن ذلك إلا بكشف جزء من الرأس، فكشف ذلك القدر أيضًا، ولم قدمتم الستر على الكشف؟ قلنا: لأن الرأس يجب ستره من امرأة، لأنه عورةً، وهذا المعنى موجود في جميعه. وفي الوجه نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن النقاب، وهذا القدر من الستر لا يكون نقابًا، ولا في معناه، ولأن الفرض بذلك إظهار شعار الإحرام، وذلك لا يفوت بفوات هذا الجزء، ولأن الستر أكد فغلب حكمه، ثم لها أن تسدل على وجهها ثوبًا، وتجافيه عنه حتى لا يباشر الوجه، وذلك بأن تربط خشبتين على جاب رأسها، وتدل الثوب عليهما، وهذا لأنه لا يسمى سترًا، ولهذا يجوز للمحرم أن يتظلل بالكنيسة والمحمل، ولا يكون ذلك سترًا لرأسٍ.

وروى مجاهد عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كنا نكون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن محرمات فيمر بنا الركبان، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من فوق رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه ولا تربط الخشبةَ على صدرها حتى ترفع الجلباب [٧٣/ أ] على رأسها، لأنه ربما ماس وجهها، فإن خمرت وجهها عامدةً افتدت يعنى بشاةً لمساكين الحرم، لأنها هتكت حرمةُ إحرامها بتخمير وجهها، فإن كانت ناسيةً لإحرامها فغطت وجهها فلا فديةَ وإن سدلت ثوبًا وجافت بخشبةٍ، فرفعت الخشبة وأصاب الثوب وجهها فإن تعمدت افتدت وإن كان بغير اختيارها، فلا فدية إن رفعتها في الحال وإن تركت واستدامت افتدت والثانية: لها أن تغطي جميع رأسها لأنها شخص لؤمه حكم الإحرام فلا يلزمه أكثر من كشف عضو واحد كالرجل، والرجل يستر وجهه ولا ستر رأسه لأن حرمته في رأسه وحرمتها في وجهها، وقال مالك وأبو حنيفة: ليس للرجل أن يستر الوجه أيضًا، وهذا غلط لما روي في خبر المحرم الذي وقصت به ناقته فمات. إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خمروا وجهه ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة محرما (٢) "، رواه ابن عباس، قالوا: روي " لا تخمروا وجهه ولا رأسها، قلنا: ليس بمشهور ثم نحمله على ما لا بد من محترم من الوجه، وروي عن ابن عمر أنه قال: حرم الرجل في رأسه وحرم المرأة في وجهها، ولها أن تضع وجهها على الوسادةً وللرجل أن يضع رأسه عليها، ولا يكون سترًا حتى لو وضع الرأس على العمامةَ جاز بخلاف ما لو وضع العمامةَ على الرأس. والثالثة: القفازين وهما غلاف الكفين. نص الشافعي في "الأم" و"الإملاء" و"القديم" و"مختصر الحج الصغير": لا يجوز أن تلبس القفازين. وروي عن علي وابن عمر وعائشةُ وعطاء وطاوس ومجاهد والنخعي


(١) انظر الأم (٢/ (١٧١)).
(٢) أخرجه البخاري (١٢٦٥)، ومسلم (٩٣/ ١٢٠٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>