وقال في" مختصر الحجّ الكبيرة ونقله المزني: لها ذلك. وبه قال الثوري وأبو حنيفة، وروي عن سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه: أنه أمر بناته [٧٣/ ب] أن بلبسن في الإحرام ذلك، وقد روي النهي به عن ابن عمر مرفوعًا على ما ذكرنا، وقيل: النهي عن القفازين من قول ابن عمر؟ إلَّا أن بعض الرواةً أدرجه في متن الحديث. وروي نحوه عن عمر وعائشة رضي الله عنهما، والمشهور في المذهب القول الأول، ولأن هذا ليس بعورةً منها منعت به حرمةً الإحرام كوجهها، وقال القاضي الطبري: طريق تحريم لبس القفازين عليها مشكل جدًا والذي عندي بعد تأملي كلام الشافعي في كتبه أنه ذهب في "الإملاء" إلى أن تحريم القفازين عليها لأجل أنهما مخيطان على قد الكفين، فحرم ذلك عليها كما حرم على الرجل لبس الخفين واقتفي كلامه في "الأم": أن تحريم لبس القفازين لأجل أن حرمها يتعلق بكفيها كما يتعلق بوجهها، فإذا قلنا بهذا فوجهه ما ذكرنا في القياس، فإن قيل: هذا ينتقص برأس الأمة، فإنه ليس بعورةً منها ولا تتعلق به حرمةَ الإحرام، قلنا: فيه وجهان، فلا نسلم أنه يتعلق به حكم الإحرام، فإن قيل: لو كان حكم الكفين حكم الوجه في تعلق الإحرام بهما لوجب كشفهما كما يجب كشف الوجه، ولكانت إذا غطتهما بكميها أن يلزمها الفديةَ كما يلزمها ذلك إذا غطت وجهها بكمها، قلنا: إنما أبحنا لها أن تغطيهما بالكمين للضرورة، وذلك لأنا إذا أبحنا لها لبس القميص وجعلناها كذلك أفضل لما فيه من الستر يشق عليها التحرر من الكمين، فأبح لها ذلك للضرورة، وليس كذلك الوجه فإنه لا يتعذر كتفه من كل ما يستر، فلم يجز ستره بشيء، وإذا قلنا: إن طريق تحريم القفازين أنهما مخيطان على قدر الكفين كالخفين في حق الرجل فوجهه أن المرأةً لما لزمها كشف عضو ليتعلق الإحرام بها جاز أن يحرم المحيط عليها كالرجل.
فإن قيل: لو كانت المرأة كالرجل في [٧٤/ أ] تحريم المحيط لوجب أن يحرم عليها لبس القميص والجبةُ والسراويل والخفين، قلنا: جمع بدن المرأة عورةً إلا وجهها وكفيها، وقد تعلق بوجهها التحريم، فأما الكفان منها فهما بمنزلةً بدن الرجل في أن كل واحدة منهما ليست بعورةً فاستويا في تحريم المحيط، وكان حكم كفيها بمنزلةَ رجليه وسائر بدنه فإن قيل: لو كانت كذلك لكان للرجل أن يلبى السراويل لأن ما تحت السراويل عورةً، وحكمه حكم سائر بدن المرأةَ.
قلنا: لبس السراويل لا يمكن إلا بستر ما ليس بعورةً منه، وهو القدمان والساقان والركبتان ففرقنا، فإن قيل: لو كان الأمر على ما قلتم لوجب أن لا يجوز لها سترهما بالكمين، لأنهما مخيطان على قدر الكفين، ومشتملان عليهما بالخياطة، قلنا: إنما لم يحرم ذلك عليها للضرورةً التي بيناها، ومن أصحابنا من قال: لبس الكمان معمولين على قدر الكفين، وإنما القفازان معمولان على قدر الكفين، فاختصا بالتحريم، ألا ترى أن للرجل ستر الرجلين بالمئزر ولا يجوز له سترهما بالخفين؟ فإن قيل: من أين استخرجت، هذين القولين في جهة تحريم القفازين؟ قلنا: إني وجدت الشافعي قال في