للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسألة: قال (١): "وإن احتاج إلى تغطية رأسه ولُبْسِ ثوبٍ مخيطٍ أو خفين ففعل ذلك من شدة حرِّ او بردٍ".

الفصل

إذا احتاج المحرم إلى شيء من محظورات الإحرام من اللباس أو الطيب أو الحلق أو قتل الصيد حل له فعله وتلزمه الفدية، لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَاسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: ١٩٦] الآية والأذى: القمل، وفي المرض تأويلان، قال ابن عباس: البثور. وقال عطاء: هو الصداع. وروى عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به زمن الحديبية فقال: "قد آذاك هوام رأسك؟ " قال: نعم. قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "احلق ثم اذبح شاة نسكًا، أو صم ثلاثة أيام أو اطعم ثلاثة آصع من تمرٍ على ستة مساكين" أورده أبو داود وروي: "أو أطعم ستة مساكين فرقًا من زبيب، أو انسك شاة" قال: فحلقت رأسي ثم نسكت (٢). والفرق: ستة عشر رطلًا وهو ثلاثة آصع، وهذا نص في الزبيب، وذلك نص في التمر.

وعند أبي حنيفة وسفيان يلزمه إطعام رجل واحد من التمر أو الزبيب صاعًا وهذا خلاف النص الظاهر. فإن قيل: هلا قلتم في لبس السراويل عند عدم الإزار تلزمه الفدية أيضًا لأنه أبيح بعذر. قلنا: لأن الرخصة وردت فيه مطلقًا. بخلاف هذا ولأن هذا يراد للدين فإن ستر العورة واجب بخلاف هذا. فإن تقرر هذا ففعل شيئًا بعد شيء وتكرر ذلك منه، فإن كان من أجناس مختلفٍة [٨٠/ ب] مثل أن يلبس ويحلق ويقلّم الأظفار ويتطيب ويستمتع ويقتل الصيد فإن عليه لكل فعل فدية ولا يتداخل حكمها قولًا واحدًا، وقال بعض أصحابنا بخراسان: إن كانت من جنس واحد يتداخل لأن المكان واحد، وليس بشيء وإن كانت من جنسٍ واحدٍ مثل أن يلبس القميص والجبّة والسراويل والعمامة والخفين أو يحلق رأسه وشعر شاربه وغيره أو يقلم أظفار يديه ورجليه، أو يتطيب بالبخور والغالية والمسك والكافور، وغير ذلك أو يقبّل ويضاجع ويطأ دون الفرج، وفي الفرج أو يقتل صيود كثيرة فإن كان قد قتل الصيود، فعليه لكل صيد جزاء كامل ولا يتداخل سواء كان في وقتٍ متصل، أو في أوقات مختلفة. وقال داود: لا يجب والثاني جزاء، وهذا غلط لقوله صلى الله عليه وسلم في الضبع كبش (٣) ولم يفصل وإن كان غير القتل فإن كان في وقتٍ متصل من غير تقطيع فإنها تتداخل ويلزمه في الجميع فدية واحد، وإن كان في أوقاتٍ مختلفة، فإن كان فعل الثاني بعدما كفر عن الأول فإن عليه للثاني كفارة أخرى قولًا واحدًا، وإن لم يكن كفّر، ففيه قولان:

أحدهما: يتداخل ويلزمه للجميع فدية واحدة. قال في "القديم": ووجهه أنه جنس


(١) انظر الأم (٢/ ٧١)
(٢) أخرجه البخاري (١٨١٤، ١٨١٥)، ومسلم (٨٣/ ١٢٠١)، وأبو داود (١٨٥٦، ١٨٦٠)، والترمذي (٩٥٣)، والبيهقي في "الكبرى" (٥/ ٥).
(٣) أخرجه البيهقي في "الكبرى" (٩٨٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>