للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يتزوج المحرم، ولا يزوج" (١)، ولأن ما قاله مالك محال، لأنه إن كان النكاح صحيحًا وجب أن تحلّ للزوج الأول، وإن كان فاسدًا، فلا معنى للإخبار على المفارقة والطلاق، واحتج أبو حنيفة بما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة، وهو محرم، قلنا: قال سعيد بن المسيب: وهم ابن عباس في تزوج ميمونة، وهو محرم (٢)، وروي يزيد بن الأصم عن ميمونة رضي الله عنها أنها قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف" (٣)، وروت ونحن حلالان بما يقال له سرف وروت: ونحن حلالان بعدما رجعنا، قال الحضرمي: يعني رجعنا من مكة، وميمونة أعلم بشأنها من غيرها وأخبر بحالها، فكان أولى، وقال يزيد بن الأصم: تزوجها، وهو حلال وبني بنها وهو حلال وخطبها وهو حلال بسرف [٩٦/أ] وماتت بسرف، ودفناها في الظلّة التي بنى بها فيها، ويزيد هذا ابن أخت ميمونة وقالت صفية بنت شيبة مثل ذلك، ثم يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان مخصوصًا بذلك.

فرع

قال الشافعي: يجوز له أن يشهد النكاح وينعقد النكاح بشهادته لأن الشاهد لا صنع له في العقد، وإنما الصنع للولي، والقائل، وقال الإصطخري: لا ينعقد بشهادته النكاح لما رُوي في الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينكح المرحم ولا ينكح ولا يخطب ولا يشهد"، ولأنه ركن في النكاح كالزوج، وهذا غلط لما ذكرناه وهذه من الزيادة في الخبر غير مشهورة، وليس كالزوج، لأنه يتعين فيه فيؤكد حكمه، وله صنع في العقد بخلاف الشاهد.

فرع آخر

هل يجوز للمحرم الخطبة؟ قال الشافعي: لو توقى المحل أن يخطب محرمة كان أحبّ إلى، فإن خطبها في الإحرام وتزوجها بعد الإحرام صحّ النكاح، وظاهر هذا يدلّ على الكراهة، وكذلك يحرم للمحرم أن يخطب لنفسه ولغيره أيضًا، ولفظ الشافعي: يستحبّ له أن لا يخطب لغيره كما لا يزوج غيره، فإن فعل وعقد الغير بتلك الخطبة، وهو حلال انعقد النكاح وخطبة المحرمة ليست بمحرمة، وإن كرهنا بخلاف خطبة المعتدة، فإنها محرمة والفرق أنها مؤتمنة على قضاء عدّتها، فإذا خطبها لم يأمن أن يكذب في انقضاء عدّتها استعجالًا للنكاح، وليست كذلك المحرمة، فإن قضاء الإحرام بأفعال ظاهرة لا يحتمل فيها الكذب، والاستعجال، فلهذا لا تحرم خطبتها فيه.

وقال صاحب "التقريب": فيه وجه آخر تحرم خطبتها في الإحرام حتى لو خطب المحرم امرأة حلالًا له، فرضيت به، يجوز [٩٦/ب] كحلال آخر خطبها، لأن الخطبة


(١) أخرجه الدارقطني (٣/ ٢٦١)، وفيه محمد بن دينار الطاحي، قال النسائي وأبو زرعة: لا بأس به، واختلف كلام ابن معين فيه.
(٢) أخرجه البخاري (١٨٣٧)، ومسلم (٤٦/ ١٤١٠)، والبيهقي في "الكبرى" (٩١٥٧)، وفي "معرفة السنن" (٢٩٨١).
(٣) أخرجه مسلم (٤٨/ ١٤١١)، والبيهقي في "الكبرى" (٩١٦٠)، وفي "معرفة السنن" (٢٨٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>