للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شفع، وقد ذكرنا هذا، وهذا لأن الوتر في السبعة أكثر من الشفع، ولأن الوتر يمتاز بالفضل في كثير من المواضع عن الشفع. وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله وتر يحب كل وتر" (١)، واعلم أن ههنا إشكالًا وهو أن ظاهر هذا اللفظ يدلّ على أن الاستلام يفعل في بعض الأشواط دون بعض، وليس كذلك، بل يستحبّ ذلك في كل شوط مع القدرة، والمزني ذكر هذا في حال العجز، وأعرض عن بيان حال القدرة، فإن استلم في وتر، ثم تمكن في الشفع، فيستحبّ أن يستلم كما استلم في الوتر.

مسألة: قالَ (٢): ويرمل ثلاثًا.

الرمل: هيئة في الطواف كالاضطباع، وهو سرعة المشي مع تقارب الخطى. قال الشافعي (٣): الرمل، هو الخبب لا شدة السعي، ولا أحب أن يثب من الأرض وثوبًا، ويرمل في ثلاثة أطواف ويمشي في الأربعة الباقية، وإذا رمل في الثلاثة لا يفصل بنيها بوقوف [١٠٧/أ]، إلَّا أن يقف عند استلام الركنين ثم يمضي خببًا، والرمل في الثلاثة، الأولى والمشي في الأربعة الأخيرة. هكذا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أوضح الشافعي ذلك، فقال (٤): ويتبدئ الطواف من الحجر الأسود فيرمل ثلاثًا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمل من الحجر الأسود حتى انتهى إليه، قلنا: أي رمل ثلاثًا من الحجر إلى الحجر، على ما روي جابر (٥) خلاف ما حكي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمل فيما الركن اليماني والحجر الأسود إذ البيت كان يسترهم عن رؤية المشركين على الجبل إياهم. والمروي أنه إنما مشى في الأربع الأخيرة، وترك فيها الرمل إبقاء على أصحابه. وذكر بعض أصحابنا بخراسان: ما قال ابن عباس، وذهب إليه، وهو غير صحيح، وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم رمل في عمرته كلها، وفي حجّة، وكذلك قال أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، ومن بعدهم. وروي عنه أنه قال: ليس بسنة اليوم (٦)، أورده أبو داود، فإن قيل: النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبًا، فكيف رمل، قلنا: إنما طاف راكبًا طواف الزيارة دون طواف القدوم، ثم الراكب يطوف ثلاثًا خببًا، فإن قيل: الحكم إذا تعلق بعلة زال بزوالها، وقد زالت علة الرمل. قلنا: قد يذهب السبب، ويبقى الحكم كما في استحباب غسل اليدين ثلاثًا قبل إدخالهما الإناء، ثم الرسول صلى الله عليه وسلم اضطبع ورمل في عمرة الجعرانة، وذلك بعد فتح مكة، وكذلك في حجّته، وكانت بعد الفتح فثبت أنه سنّة ثانية.

مسألة: قالَ (٧): والدنو من البيت أحبّ إليّ.

أراد أنه وإن كان في التباعد من البيت زيادة الخطى، فالدنو من البيت أحبّ إلى لأنه أقرب إلى المقصود [١٠٧/ب]، وهو البيت، وأسهل عليه، ثم قال (٨): فإن لم يمكنه


(١) أخرجه مسلم (٥/ ٢٦٧٧)، والترمذي (٤٥٣)، وابن ماجه (١١٧٠)، وأحمد (٢/ ١٠٩، ١٥٥، ٢٧٧)، وابن خزيمة (١٠٧١)، وابن حبان (١٣١).
(٢) انظر الأم (٢/ ٧٦)
(٣) انظر الأم (٢/ ١٤٩)
(٤) انظر الأم (٢/ ٧٧)
(٥) أخرجه النسائي (٢٩٤٤).
(٦) أخرجه أبو داود (١٨٨٥).
(٧) انظر الأم (٢/ ٧٦).
(٨) انظر الأم (٢/ ٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>