للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأول أصح، وهو المراد، فعلى هذا إذا فرغ من الطواف ترك الاضطباع، وغطى منكبيه حتى يصلي ركعتي الطواف، فإنه يكره أن يكون في الصلاة مضطبعًا، فإذا استلم كشف منكبه الأيمن، واضبطع للسعي، ففي اللفظ إضمار، وهو إلاّ في حالة ركعتي الطواف ويستديم ذلك إلى أن يفرغ من السعي بين الصفا والمروة، واشتقّ الاضطباع من الضبع، وهو عضد الإنسان، وأصله: اضتبع، [١٠٦/أ] افتعل من، فقلبت التاء طاء، فقيل: اضطبع. وقال مالك: لا يسنّ الاضطباع وهذا غلط لما روي عن يعلي بن أميّة، قال: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت مضطبعًا، وعليه برد أخضر" (١). وروي ابن عباس قال: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطوف جلست قريش في الحجر لينظروا إليه، فاضطبع وطاف، وقد قال في "المختصر" (٢) لأن النبي صلى الله عليه وسلم اضطبع حين طاف، ثم عمر ولم يرد الشافعي بتخصيصه عمر رضي الله عنه الذكر أن غيره من الخلفاء لم يضطبع، ولكنه بين سبب الاضطباع حين اضطبع وذلك أن عمر رضي الله عنه لما حجّ اضطبع للطواف، ثم قال: فيم الرملان والكشف عن المناكب، وقد أضاء الإسلام ونفي الشرك، ولكني لا أدع شيئًا. رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله (٣) هكذا ذكره أصحابنا، وقد أضاء الله الإسلام وهذا مُصحّف، وإنما هو وقد أطأ الله الإسلام، وهذا في الأصل وطأ الله، أي: أثبته وأرساه، ولكن الواو قد تبدل الفاء، ويريد بالرملان، الرمل في الطواف والسعي ويريد بالكشف عن المناكب للاضطباع. وروي ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نفعل ذلك، نرائي المشركين، فاليوم من نرائي، ولكن لا ندع شيئًا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله، ومعنى مراءاتهم المشركين من نرائي، ولكن لا ندع شيئًا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله، ومعنى مراءاتهم المشركين بالاضطباع والرمل هو ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما اعتمر سنة سبع عمرة القضاء. كان المشركون قد خلوا له مكة وصعدوا حراء ينظرون إلى المسلمين. وكان المسلمون إذ ذاك قد أصابتهم سنة قد ضعفوا فيها واصفرّت ألوانهم وأنهكت أجسادهم، فلما رآهم على تلك الهيئة توامروا فيما بينهم، فقالوا: [١٠٦/ب] قد وهنتم حمى يثرب فبنا أن نحمل عليهم فنستأصلهم، فنزل جبريل عليه السلام في الحال، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما توامر به المشركون على الجبل، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بلاضطباع والرمل، فلما رأي المشركون ذلك، قالوا: إن فيهم بعد بقية أو قوة، فنقضوا ما توامروا به. وروي أنهم قالوا: هم أجلد منّا (٤). وحكي عن أحمد قال: لا يضطبع للسعي بين الصفا والمروة لأنه لم ينقل، وهذا غلط لأنه في معنى الطواف. بدليل ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: إنما سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت وبين الصفا والمروة ليرى المشركين قوته.

ثم قال الشافعي (٥) في "المختصر" والاستلام في كل وتر أحب إلى منه في كل


(١) أخرجه البيهقي في "الكبرى" (٩٢٥٣)، وفي "معرفة السنن" (٢٩٢٧).
(٢) انظر الأم (٢/ ٧٥)
(٣) أخرجه الشافعي في "المسند" (١٢٨)، والبيهقي في "الكبرى" (٩٢٥٨)، وفي "معرفة السنن" (٢٩٢٩).
(٤) أخرجه أبو داود (١٨٨٦)، والنسائي (٢٩٤٥).
(٥) انظر الأم (٢/ ٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>