للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الطواف: «اللهم إني أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب» (١).

مَسْألَةٌ: قالَ (٢): ثم يخرج من باب الصفا فيرقى عليه.

الفَصْلُ

جملته أن السعي بين الصفا والمروة واجب وهو ركن من أركان الحجّ والعمرة ولا ينوب عنه الدم. وبه قال مالك وإسحاق. وقال أبو حنيفة والثوري وابن سيرين: هو واجب إلا أنه ليس بركن فينوب عنه الدم. وروي ذلك عن ابن مسعود وأبي بن كعب وابن عباس رضي الله عنهم، وروي عنهم لا يجب أصلًا بل هو سنّة، وهو قول أحمد في رواية، وفي رواية أخرى عنه مثل قولنا، وهذا غلط لما روي عن حبيبة بنت أبي تجراة إحدى نساء بني عبد الدار، قالت: دخلت مع نسوة من قريش دار أبي حسين، فنظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسعى بين الصفا والمروة، فرأيته يسعى وإن مئزره ليدور بساقه من شدة سعيه وروي عدوه حتى لأقول إني لأرى ركبتيه، وسمعته يقول: «اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي» (٣)، واحتجوا بأن الله تعالى قال: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: ١٥٨]، وكلمة لا جناح لا تستعمل في [١١٩/ أ] الأركان، قلنا: رفع الجناح لا ينصرف إلى نفس الفعل، ولكن إلى محلّ الفعل، وذلك أنهم كانوا يعبدون في تلك البقعة الأصنام، فتحرجوا أن يتخذوها متعبدًا لله تعالى قال عروة: قلت لعائشة رضي الله عنها: أرأيت قول الله عز وجلّ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: ١٥٨]، فما أرى على أحد شيء ألا يطوّف بهما، قالت عائشة: كلا، لو كان كما تقول: كانت، فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، وإنما أنزلت الآية، لأنن مناة كانت حذو قديد وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية (٤)، ومذهب عائشة أنه فرض كمذهبنا، فإذا تقرر هذا فمن شرط السعي تقدم الطواف عليه ثم فيه وجهان:

أحدهما: وبه قال البغداديون: يجوز التراخي بينهما فإن سعى بعد طوافه بشهر أجزأه لأن الموالاة بين أركان الحجّ لا يجب كالوقوف والطواف، وهذا ظاهر المذهب.

والثاني: وبه قال البصريون من أصحابنا: لا يجوز التراخي البعيد بينهما، ويجب فعل السعي على الفور، ولو بعد لا يجوز لأن السعي لما افتقر إلى تقدم الطواف عليه ليمتاز عما لغير الله افتقر إلى فعله على الفور ليقع به الامتياز عما لغير الله، لأنه لا يحصل بفعله على التراخي، فإذا تقرّر هذا، فمتى خرج إلى الصفا يستحبّ أن يرقى على الصفا قدر قامة رجل حتى يتراءى له البيت منه ثم يستقبل البيت، فيكبّر فيقول: الله


(١) انظر إتحاف السادة المتقين (٤/ ٣٥٠).
(٢) انظر الأم (٢/ ٧٩).
(٣) أخرجه أحمد (٦/ ٤٢١، ٤٢٢)، والحاكم (٤/ ٧٠)، والدارقطني (٢/ ٢٥٥)، وأبو نعيم في «الحلية» (٩/ ١٥٩).
(٤) أخرجه البخاري (١٦٤٣)، ومسلم (٢٥٩/ ١٢٧٧)، وأبو داود (١٩٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>