للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أفاض من عرفة قبل الصبح فقد تم حجه, ومن فاته فلا حجّ له" (١) , وحكي [١٢٩/ب] سفيان أن قريشًا كانت تسمى الحمس وكانوا لا يخرجون يوم عرفة, من الحرم, ويقفون بنمرة دون عرفة في الحرم، ويقولون: لسنا كسائر الناس, نحن أهل الله فلا نخرج من حرم الله.

وكان النبي صَلَى الله عليه وسلم لا يقف مع قريش في الحرم ويخرج مع سائر الناس إلى عرفة, وأنزل الله تعالى في ذلك: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ١٩٩] , وفي الناس قولان:

أحدهما: أنه أراد إبراهيم عليه السلام, لأنه كان يقف بعرفة.

والثاني: أنه رسول الله صَلَى الله عليه وسلم حيث وقف بها وفي تسمية قريش الحمس قولان:

أحدهما: لأنهم تحمسوا في دينهم, أي: تشدّدوا.

والثاني: أنهم سمّوا الحمس بالكعبة لأنها خمسًا حجرها أبيض يضرب إلى السواد, وأفضل موضع الوقوف ما ذكرنا وحيث ما وقف الناس من عرفة أجزأهم. وقال عليه السلام: " هذه عرفه كلها موقف إلّا وادي عرنة " (٢). وقال الشافعي: والأفضل أن يقف من الإمام في الموضع الذي يقف فيه. وروى عن يزيد بن شيبان أنه قال: أتانا ابن مربع الأنصاري ونحن بعرفة بعيد عن الإمام, فقال: إني رسول رسول الله صَلَى الله عليه وسلم فقال: يقول لكم: قفوا على مشاعركم, فإنكم على إرث من إرث إبراهيم (٣) والمشاعر المعالم, وأراد: قفوا بعرفة خارج الحرم, فإن إبراهيم عليه السلام هو الذي جعلها مشعرًا وموقفًا للحاج خلاف قول قريش, حيث قالوا: لا نخرج من الحرم, وسمّوا أنفسهم الحمس فبين صَلَى الله عليه وسلم أن ذلك من قبلهم أحدثوه وأن الذي أورثة إبراهيم من سنته, هو الوقوف بعرفة.

فرْعٌ

قال في "القديم" و"الإملاء": الأفضل أن يقف راكبًا ويجوز راكبًا ونازلًا. وبه قال أحمد, وقال في "الأوسط" (٤): الوقوف راكبًا ونازلًا سواء. [١٣٠/أ] قال أصحابنا: قوله القديم أصحّ, لأن النبيّ صَلَى الله عليه وسلم وقف راكبًا, ولأن الراكب أقوى على الدعاء, ولهذا أمر الحاجّ ترك الصوم يوم عرفة وقيل تأويل ما قال في "الأوسط": أنه أراد القوي الذي لا يعيى إذا وقف على قدميه ولا يقطعه ذلك عن استكثار الدعاء والاجتهاد فيه.

فرْعٌ آخرُ

يستحبّ أن يستقبل القبلة في وقوفه ويدعو حتى الليل, ويصنع ذلك الناس مع الإمام, وروي: "أنه صَلَى الله عليه وسلم وقف واستقبل القبلة وجعل بطن ناقته إلى الصخرات" (٥) وهي


(١) أخرجه البيهقي فى "الكبرى" (٩٨١٥).
(٢) أخرجه الترمذي (٨٨٥) , والطحاوي في "مشكل الآثار" (٢/ ٧٣). (٢٩)
(٣) أخرجه أبو داود (١٩١٩). (٣٠)
(٤) انظر الأم (٢/ ١٨٠). (٣١)
(٥) جزء من حديث جابر الطويل فى مسلم (١٢١٨). (٣٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>