إنما خصّ الليل لأن الفوات يتعلق به، ثم يعارض بما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال:"من أتى عرفة قبل ذلك من ليل أو نهار فقد تمّ حجّه".
وأما ما احتجّ به أحمد نحمله على ما بعد الزوال بدليل ما ذكرنا ولأنه وقف بعرفة قبل الزوال فلم يجزئه كما لو وقف قبل طلوع الفجر.
فَرْعٌ
لو اقتصر في الوقوف على الليل دون النهار، فلا دم عليه.
وقال بعض أصحابنا بخراسان: فيه قولان:
أحدهما: لا يجوز لأن أشهر الحجّ تسع من ذي الحجّة، وقد مضت حين غربت الشمس، وهذا ليس بشيء، ولو اقتصر على النهار دون الليل فيه قولان. قال في "الإملاء": لا دم عليه ويستحبّ لأنه جزء يتعلق به الإدراك، فلا يلزمه دمّ كما لو وقف جزءًا من الليل.
وقال في "القديم" و "الأم": يلزمه دم. وبه قال أبو حنيفة وعطاء والثوري وأحمد لأنه نسك لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم. وقال:"خذوا عنّي مناسككم". وقال عليه السلام:"من ترك نسكًا فعليه دم"، ولأنه أخلّ ببعض النسك، ولم يأت به على الوجه المشروع، فيلزمه [١٣٢/أ] دمٌ كما لو أحرم دون الميقات، فإن قيل: هلاّ قلتم: إذا وقف ليلًا دون النهار، يلزم الدم أيضًا لهذا المعنى. قلنا: الفرق أن من أدركه نهارًا يمكنه الوقوف نهارًا، فلم يلزمه ذلك، ولم يجب عليه الدم بتركه. وقال الحسن: يلزمه هدي من الإبل ويصحّ حجّه، وهو غلط لما ذكرنا.
فَرْعٌ آخرُ
إذا قلنا: يلزمه الدم، فلو عاد فوقف ليلًا فلا شيء عليه. نصّ عليه، وقيل: فيه وجهان، وليس بشيء. وقال أبو حنيفة: لا يسقط عنه الدم. وبه قال أحمد، لأن النسك أن تغيب الشمس، وهو واقف فيجمع بين الليل والنهار، فإذا دفع قبل الغروب وجب الدم، فلا يسقط بعده حتى لو رجع نهارًا، وأقام حتى غربت الشمس لا شيء عليه، وهذا غلط، لأنه جمع بين الليل والنهار في الوقوف، فلا دم عليه، كما لو وقف حتى غربت الشمس.
فَرْعٌ آخرُ
لو غمّ الهلال ليلة ثلاثين من ذي القعدة ووقف الناس اليوم التاسع من ذي الحجّة ثم قامت البينة أنه اليوم العاشر أجزأهم لقوله صلى الله عليه وسلم:"حجّكم يوم تحجّون"(١)، ولأنا لو قلنا بخلافه أدى إلى لحوق المشقّة بالخلق الكثير والجمع الغفير لا نؤمن مثله في القضاء، ولو وقفوا يوم التروية نسيانًا لا يجوز لأنه لا يقع فيه الخطأ غالبًا، ولا يتصور نسيان العدد في
(١) قال ابن حجر في "التلخيص": لم أجده هكذا. انظر تلخيص الحبير (١٥٠٣).