ولا طرفة عين، وهو بعرفة، فقد فاته الحجّ، ولو عقل بعرفة ساعة لم يضره.
وقال أصحابنا: لو حصل بعرفة نائمًا صحّ وقوفه بأن سار به الجمل، وهو في محمله نائم، أو نام بعرفة قبل الزوال، ومرّ عليه الوقت وهو نائم. والفرق أن النائم بمنزلة اليقظان، ألا ترى أنه لو نام في جميع نهار الصوم صحّ صومه بخلاف ما لو أغمي عليه في الصوم تمام اليوم، وحكى ابن القطان في النائم وجهًا آخر أنه لا يجوز وقوفه لأنه لم يوجد القصد إلى العبادة [١٣١/أ] وأصل هذا أن كل ركن من أركان الحجّ هل يحتاج إلى نية مفردة؟ فيه طريقان:
أحدهما: لا يحتاج إليها كأركان الصلاة.
والثاني: يحتاج لأن أركانها تنفصل بعضها عن بعض، وهو ضعيف، ولو حصل بالموقف مجنونًا حتى خرج الوقت فقد فاته الحجّ بلا خلاف. وقال ابن القطان: فيه وجه آخر، وكذلك في المغمى عليه، وليس بشيء وأما زمان الوقوف، فالأفضل أن يقف من الوقت الذي ذكرنا إلى الليل، وهو أن تغرب الشمس حتى يجمع بين النهار وجزء من الليل في الوقوف، وأقل ما يكفيه حتى يكون مدركًا للحجّ أن يدخلها وإن لم يقف، ووقته من وقت زوال الشمس إلى طلوع الفجر من ليلة النحر، فأي وقت ما بين هذين الوقتين أجزأه، وذلك نصف يوم وليلة كاملة. وبه قال أبو حنيفة، وقال مالك: الأولى أن يجمع في الوقوف بين الليل والنهار فإن اقتصر على أحدهما، فالاعتماد على الليل حتى إن وقف بالنهار، لم يجز. وقال أحمد: وقت الوقوف من طلوع الفجر يوم عرفة إلى طلوع الفجر يوم النحر، واحتجّ مالك بقوله صلى الله عليه وسلم:"من أدرك عرفات بليل فقد أدرك ومن فاتته عرفات بليل فقد فاته الحجّ ومن فاته الحج فليحل بعمرة، وعليه الحجّ من قابل".
واحتجّ أحمد بما روي عن عروة بن المضرس الطائي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة، فقلت: يا رسول الله إني جئت من جبلي طيئ أكللت راحلتي وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حجّ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى يدفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلًا أو نهارًا، فقد تم حجه وقضى ثفته" (١) والحبل هو التلّ من التراب، والتلّ إذا كان من حجارة فهو جبل، ومعنى قضى ثفته أي: نسكه وقيل: التفث الأخذ [١٣١/ب] من الشارب وتقليم الظفر والخروج من الإحرام إلى الإحلال.
وقال ابن الأعرابي في قوله:{لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ}[الحج: ٢٩] أراد قضاء حوائجهم من الحلق والتنظيف. وقوله: "فقد تمّ حجّه"، أي: معظم الحجّ، ولم يفصل بين أن يكون قبل الزوال أو بعده، وهذا غلط، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قصد الموقف نهارًا بعد الزوال، وشرع هكذا إذا انصرف منه ليلًا، فجعل النهار وقتًا للوقوف وجعل الليل وقتًا لترك الوقوف، فعلم أن النهار مقصود، والليل يسع. وأما الخبر الذي احتجّ به مالك، لا يصحّ لأنه
(١) أخرجه أحمد (٤/ ١٥)، وأبو داود (١٩٥٠)، والترمذي (٨٩١)، والنسائي (٣٠٣٩، ٣٠٤٠، ٣٠٤١) وابن ماجه (٣٠١٦)، وابن حبان (٣٨٤٠)، والحاكم (١/ ٤٦٣)، والدارقطني (٢/ ٢٣٩، ٢٤٠).