عندنا خلاف الواحد يعد مخالفًان فربما يخالف ذلك الواحد ولا يشق ذلك؛ لأن الإمام يكتب إلى الأقطار وينقل من قولهم فيه. وقال داود: إجماع غير الصحابة لا يكون حجة، وهذا غلط؛ لأنه اتفاق أهل العصر من العلماء على حكم الحادثة، فكان حجة كإجماع الصحابة. فإذا تقرر هذا فلا ينعقد الإجماع إلا عن أصل من كتاب أو سنة، ولو انعقد عن قياس هل يكون حجة مقطوعة؟ قال عامة أصحابنا، وهو المذهب: أنه حجة مقطوعة. وقال داود، وابن جرير الطبري من أصحابنا: لا تكون حجة، وهذا غلط؛ لأن القياس دليل من دلائل الله تعالى منعقد عنه الإجماع، كالكتاب والسنة والإجماع المنعقد عن السنة مثل ما روي أن امرأة أتت
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه -تطلب ميراثها من دية زوجها فاستشار أصحابه، فقام حمل بن مالك من التابعة، وقال: أشهد أن رسول الله [١٤ ب/ ١] صلى الله عليه وسلم ورث امرأة أشيم الضبائي في دية زوجها، فأجمعوا على ذلك، والإجماع المنعقد عن القياس مثل قول الصحابة في إمامة أبي بكر الصديق -رضي الله عنه -رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا فنحن نرضاه لدنيانا، يعني الإمامة في الصلاة حين قدمه للصلاة.
ثم أعلم أن الإجماع ضربان:
أحدهما: ما علم من دين الرسول صلى الله عليه وسلم ضرورة، كوجوب الصلاة والصيام وتحريم الربا ونحو ذلك، فيجب الانقياد له من غير اعتبار الإجماع فيه.
والثاني: ما لا يعلم ضرورة، وذلك على ضربين: أحدها: ما استدل الخاصة والعامة في معرفة حكمه، كأعداد الركعات، ومواقيت الصلوات، وستر العورة، وتحريم بنت البنت، فهذا يعتبر فيه إجماع العلماء، وهل يعتبر إجماع العامة معهم فيه، ولولا وفائهم عليه ما بثت إجماعًا؟ فيه وجهان: أحدها: يعتبر، ولولاه ما ثبت إجماعهم لاشتراكهم والعلماء في العلم به.
والثاني وهو صحيح: لا يعتبر، لأن الإجماع إنما يصح إذا وقع عن نظر واجتهاد، والعامة ليسوا من أهل الاجتهاد، فلم يكونوا من أهل الإجماع، وأيضًا خلافهم لا يؤثر فلا يعتبر إجماعهم.
والضرب الثاني بما اختص العلماء بمعرفة حكمه دون العامة، كنصب الزكوات، وتحريم نكاح المرأة على عمتها وعلى خالتها، فيعتبر فيه إجماع العلماء من أهل الاجتهاد ومن العامة، وهل يراعى فيه إجماع غير الفقهاء من المتكلمين؟ وجهان [١٥ أ/ ١] أحدها: يراعى ويؤثر؛ لأن الفقهاء هم أقوم بمعرفة الأحكام وأكثر حفظًا للفروع، وأكثر ارتباطًا بالفقه.
فرع
لا يشترط انقراض العصر فيما ذكرنا من الإجماع، بل القصد الإجماع في الحال، فإن رجع أحدهم عنه لا يقبل رجوعه، بل يكون قوله الأول مع قول الآخرين حجة