وإن أرسله غيره كان هو أحق به، فإن ضاع وجب في المرسل قيمته، وإن حلّ من إحرامه حلّ له ذبحه ولم يجب جزاؤه عليه، لأنه ملكه فلا تزال يده عنه.
وقال أبو حنيفة وأحمد: يلزم إزالة يد المشاهدة عنه دون الحكمية، فلو سلمه إلى الغير ليحفظه له جاز، وكذلك لو أرسله في داره أو في بيته كفاه، لأن إمساكه بيده فعل منه في الصيد، وهو محرم، فلا يجوز كالذبح، وهذا غلط، لأنه إذا لم يلزم إزالة يد الحكمي لا يلزم، إزالة يد المشاهدة كسائر أملاكه ويخالف القتل لأنه إتلاف له ممتنع كما يمنع من استعمال الطيب دون إمساكه.
وقال بعض أصحابنا بخراسان: هل يلزمه إرساله؟ قولان، فإذا قلنا: يلزمه إرساله، هل يزول ملكه؟ قولان.
فرع آخر
لو وهب للمحرم صيد، لا يجوز له أن يقبله، فإن قبله لم يملكه وعليه إرساله، وإن لم يرسله حتى مات يلزمه الجزاء، نص عليه في "الإملاء". وقال أصحابنا: معنى قوله: يلزمه إرساله أي: ردّه لصاحبه، وكذلك إن اشتراه لم يملكه وإن قبضه ضمنه بالجزاء أو القيمة إلى صاحبه، لن البيع يقتضي الضمان دون الهبة.
ومن أصحابنا من قال: قول الشافعي: عليه إرساله يدلّ على أنه ملكه بالهبة، ولهذا أمره بإرساله، وهذا غلط، لأنه ما أراد ما ذكرنا وهو صريح في لفظه، ثم قال أصحابنا: إذا ردّه إلى بائعه أو واهبه سقط عنه الضمان للآدمي في البيع، ولكن لا يزول عنه حكم الجزاء لله تعالى حتى يرسله، فيمنع ويتوحّش ويلزمه ذلك، فإن قيل: إذا لم يزل ملك مالكه عنه بالبيع والهبة كيف يجوز له إرساله ليتوحش؟
قلنا: سقط حق البائع والواهب في ذلك، لأنه كان في السبب في ثبوت يد المحرم عليه [٢٢٥/ أ]، وإيجاب إرساله عليه، ويحصل للبائع بدله إذا أرسله هو، فيكون جامعاً إبقاء حق الله تعالى وإبقاء حق الآدمي، فهو كالمضطر يأكل مال غيره بالبدل ذكره في "الشامل"، وقال بعض أصحابنا بخراسان: هل يملك بالشراء والإيهاب؟ قولان، كما لو اشترى الكافر عبدًا مسلمًا، هل يصحّ الشراء؟ قولان، وعلى كلا القولين، يلزمه إرساله ولو باعه من الغير وصحّحنا شراءه صحّحنا بيعه، ولكنه في ضمانه إلى أن يرسله المشتري، فحينئٍ يخرج من ضمانه وما تقدم أصحّ لما ذكرنا من خبر الصعب بن جثامة، وإن قبول البيع والهبة سبب يملك به الصيد، فيمنه منه المحرم كالاصطياد.
فرع آخر
لو مات مورثه وله صيد، وهو محرم، هل يرث الصيد؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يرثه لأن الإرث جهة من جهات التملك، فلا يملك بها المحرم الصيد كالبيع والهبة.
والثاني: يرثه ويملك، لأنه يحصل هذا الملك بغير اختياره وهو كما يملك الكافر