فإذا ثبت أن ما لم يقطع بحده، ولم يخرق بدقته، وقطع بثقله أو بقوة الاعتماد عليه غير مأكول، فإن فاتت ذكاته في الحلق واللبة كان ميتة محرمة، وان أدركت حياته، فذبح في حلقه أو نجز في لبته نظر فيما أدركه من حياته، فإن كانت ضعيفة لا لبث لها كجرحة المذبوح لم يحل أكله بالذبح، وكان ميتة، وإن كانت حياته قوية يلبث معها، وإن لم يطل زمان لبثها صحت ذكاته، وحل أكله لقول الله تعالى:{وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ}[المائدة:٣] فأباح ما أدركت ذكاته بعد تقدم المحظورات.
قال في الحاوي: وصورتها في رجل أرسل كلبه أو غيره من الجوارح على صيد، فمات الصيد بإرساله عليه، فلا يخلو حال موته من ثلاثة أحوال:
إحداها: أن يتعبه الكلب بالسعي عليه حتى يسقط الصيد ميتاً بالإعياء من غير أن يجرحه الكلب، فهذا ميتة لا يؤكل، لأنه لم يصل إليه، فهل يكون تذكية.
والثانية: أن يناله الكلب، فيعقره، فيموت من عقره وجراحته، فيحل أكله سواء جرحه بأنيابه أو بمخالبه في مقتل أو غير مقتل من رأس أو ذنب؛ لقول الله تعالى:{فَكُلُوا مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}[المائدة:٤].
فاختلف أصحابنا في موضع عقر الكلب، هل يحلّ أكله أو لا؟ على وجهين:
أحدهما: لا يحل أكله سواء كان قد غسله أو لم يغسله، ويأكل ما عداه من جسده؛ لأن لعاب الكلب ونجاسة أنيابه تسري في محله فلا يصل إليه الغسل.
والثاني: أنه يحل أكله، لأنه من جملة حكم بإباحتها من غير استثناء، فعلى هذا يجب غسله قبل أكله أم لا؟ على وجهين:
أحدهما: يجب غسله قياساً على محل ولوغه، ولا يحل أكله قبل الغسل.
والثاني: لا يجب غسله؛ للحوق المشقة فيه، فصار عضواً كسائر ما يشق التحرز منه من جمع الأنجاس.
والثالثة: أن يكون موت الصيد بصدمة الكلب أو بضغطته أو بقوة إمساكه من غير أن يعقره بجرح من ناب أو مخلب، ففي إباحة أكله قولان: