أحدهما: وهو (اختيار) المزني، ورواه أبو يوسف، ومحمد، وزفر عن آبي حنيفة أنه حرام لا يؤكل.
والثاني: ورواه الحسن بن زياد اللؤلؤي عن أبي حنيفة أنه حلال يؤكل. فدليل القول الأول في تحريمه قوله تعالى. {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ}[المائدة: ٤] فجعل الجرح نعتاً، فصار في الإباحة شرطاً.
وروى رافع بن خديج أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا"
فدل على أن ما لم ينهر لا يؤكل؛ ولأن قتل الصيد قد أبيح بآلة وبجوارح فلما لم يحل صيد الآلة إلا بعقره وجب أن لا يحل صيد الجوارح إلا بعقره، لأنه أحد النوعين، فكان العقر شرطاً في الحالين.
ودليل القول الثاني في إباحته قول الله تعالى:{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ}[المائدة: ٤] يريد به الجوارح الكواسب كما قال تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ}[الجاثية:٢١] أي اكتسبوا ثم قال: {فَكُلُوا مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}[المائدة:٤] فكان على عمومه في كل إمساك عقر آو لم يعقر، ولأن شروط الذكاة معتبرة بحال القدرة والعحز فتجب مع القدرة قي محلها في الحلق واللبة ما يسقط مع العجز، كذلك العقر لا يثق اعتباره قي الآلة، فكان شرطاً وشق اعتباره في الجارح فلم يكن عقره شرطاً؛ ولأن ما كان شرطاً قي تعليم الجارح، كان شرطاً قي الاستباحة، كالإمساك، وما لم يكن شرطاً في التعليم لم يكن شرطاً قي الاستباحة، كالأكل، فلما لم يكن العقر شرطاً في تعليمه لم يكن شرطاً في استباحة صيده عقره من دواعي الآكل المؤثر قي الحظر فكان ترك عقره أصح في التعليم، وأبعد من الحظر، فكان أحق بالإباحة من العقر.
قال في الحاوي: وهذا كما قال إذا رأى شخصاً، فظنه حجراً أو شجرة، فرماه بسهم، فبان أنه صيد قتله حل أكله، وكذلك لو رمى الشخص، وهو يظنه إنساناً أو حيواناً غير مأكول من كلب أو خنزير، فبان أنه صيد مأكول قتله حل أكله في هذه الأحوال كلها، وبه قال أبو حنيفة ومالك: لا يؤكل في هذه الأحوال كلها.
وقال محمد بن الحسن: إن ظنه غير حيوان من شجر أو حجر، فبان صيداً لم يحل أكله، وإن ظنه حيواناً غير مأكول، فبان مأكولاً حلّ أكله، وعلة إباحته عندنا مختلف فيها بين أصحابنا على وجهين: