روى مجاهد عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "نهى عن أكل الجلالة وألبانها" وروى نافع عن ابن عمر ان النبي ... - صلى الله عليه وسلم - "نهى عن الجلالة والمجثمة وعن المصبورة ".
فأما الجلالة فهي التي ترعى الجلة، وهي البعر والعذرة، فحمل بعض أصحاب الحديث النهي على التحريم، وبه قال سفيان الثوري، وأحمد بن حنبل. وعندي أنه محمول على الكراهة دون التحريم، لأن النهي عنها وارد، لأجل ما تأكله من الأنجاس، وهي تغتذيه في كرشها، والعلف الطاهر ينجس في الكرش، فساوى في حصوله منه حال النجس؛ ولأن لحومها ترعى الأنجاس نتن، وأكل اللحم إذا نتن يحرم وإذا كان هكذا فلما كان أكثر غذائه رعي الأنجاس، كان أكل لحمه وشرب لبنه مكروهاً.
فأما ركوبه، فيكره إذا كان عرياً لنتن عرقه، ولا يكره إذا كان موكفاً أو مسرجاً، فإن كان أكثر ما يغتذيه طاهراً، وإن اغتذى في بعضها نجساً لم يكره اعتباراً بالأغلب، ويختار في الجلالة إذا أريد شرب لبنها أو أكل لحمها أن تحبس عن الأقذار بالعلف الطاهر في البعير أربعين يومأ، وفي الشاة سبعة أيام، وفي الدجاجة ثلاثة أيام، وليست هذه المقادير توفيقاً لا يزاد عليه، ولا ينقص منه، لأن المقصود زوال ما أنتن من أبدانها، والأغلب أنها تزول بهذه المقادير، فإن زالت بأقل منها زالت الكراهة وان لم تزل فيها بقيت الكراهة حتى تزول مما زاد عليها، فإن أكل منها قبل علفها نظر في رائحة لحمها، فإن لم يتغير بأكل النجاسة كان حلالاً، وان تغير بها فإن كان يسيراً لم يستوعب رائحة تلك النجاسة حلّ أكله، وان كانت كثيرة قد استوعبت رائحة تلك النجاسة حلّ أكله، وان كانت كثيرة قد استوعبت رائحة تلك النجاسة أو قاربها، ففي إباحة أكله وجهان حكاهما ابن أبي هريرة:
أحدهما: مباح، لأنه من أصل مأكول.
والثاني: أنه حراام، لأنه قد صار من الخبائث، وهكذا نقول في الجدي إذا ارتضع من لبن كلبة أو خنزيرة حتى نبت له لحمه كانت إباحة أكله على هذين الوجهين فإما المجثمة التي روى ابن عباس النهي عنها، فهي التي جثمت على الموت بضرب أو غيره، وفرق بين الصيد الجاثم والمجثوم، فالجاثم الممتنع، ويحل أكله إذا جثم بحديدة، والمجثوم المقدور عليه لا يحل أكله إلا بزكاة.
والمصبورة: هي التي حبست عن الطعام والشراب حتى ماتت، ولا يحل أكلها في ممتنع، ولا مقدور عليه.