أحدهما: وهو قول أبي العباس بن سريج وابن أبي هريرة أنه يمكن غسله ويطهر بأن يراق عليه الماء في إناء ويمخض فيه مخضاً، يصير به مغسولاً كالثوب؛ لأن الدهن يتميز عن الماء ويعلو عليه، كما يتميز الثوب، ثم يؤخذ فيكون طاهراً.
والثاني: وهو الظاهر من مذهب الشافعي، وقول جمهور أصحابه أن غسله لا يصح بخلاف الثوب، لأنه مائع كالماء، فلم يكن جذب الماء للنجاسة بأولى من جذب الزيت لها، فكان باقياً على نجاسته والماء في الثوب يجذب نجاسته إليه، فافترقا.
فإن قيل: إن غسله لا يصحّ لم يجز بيعه، وهو الصحيح.
وان قيل: إن غسله يصحّ، ففي جواز بيعه وجهان من علتي بيع الثوب النجس:
إحداهما: يجوز بيعه تعليلاً بإمكان تطهيره بالمغسل.
والوجه الثاني: لا يجوز بيعه تعليلاً بذهاب أكثر منافعه بنجاسته.
مسألة:
قال الشافعي: "ويستصبح به فإن قيل كيف ينتفع به ولا يبيعه؟ قيل قد ينتفع المضطر بالميتة ولا يبيعها وينتفع بالطعام في دار الحرب ولا يبيعه في تلك الحال قال: وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ثمن الكلب وأباح الانتفاع به في بعض الأحوال فغير مستنكر أن ينتفع الرجل بالزيت ولا يبيعه في هذه الحال".
قال في الحاوي: وهذا صحيح، والانتفاع بما نجس من السمن والزيت في الاستصباح، جائز على ما سنصفه.
وقال ابن جرير الطبري وطائفة من أصحاب الحديث: الانتفاع به حرام في استصباح وغيره؛ احتجاجا بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بإراقته.
والدليل على ما ذهبنا إليه، وهو قول الجمهور رواية الزهري عن سالم عن إبيه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الفأرة تعق في السمن والودك، فقال: "إن كان جامداً فاطرحوها وما حولها وإن كان مائعاً، فانتفعوا به، ولا تأكلوه ".
وروى أبو هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الفأرة تقع في السمن والزيت، فقال: "استصبحوا به ولا تأكلوه ".
وهذان الحديثان نص في إباحة الانتفاع والاستصباح؛ ولأنه لما أمر بإراقته مع بقاء عينه، كان الاستصباح به أولى؛ لأنه استهلاك لعينه، مع الانتفاع به.
فصل:
فإذا ثبت جواز الانتفاع به، فالمنافع تنقم ثلاثة أقسام ورد النص بإباحته، وقسم ورد النص بالنهي عنه، وقسم مرسل لم يرد فيه نص.