وأما القسم الثالث: وهو المرسل عن أمر به أن نهي عنه، فينظر في استعماله فإن وجد فيه معنى الأمر أبيح، وإن وجد فيه معنى النهي حظر.
فعلى هذا يجوز أن يطعم البازي، والفهد لحم الميتة لوجود معنى الإباحة فيه ٠ بالاستهلاك، فإنه لا يباشرها من لا يعلم بها، ويجوز أن يسقيهما الماء النجس، والأبوال.
فأما طرح الأنجاس من البعر والسرجين على الزروع والأشجار، فإن لم يماس الثمرة المأكولة، وكان مستعملاً في أصول الشجر وفي قضبان الزرع جاز، لاشتهار حالها وأنه لا يباشرها إلا عالم بها، وإن كان مستعملاً من ثمارها فإن كانت يابسة جاز؛ لأن اليابس لا نجس يابساً. وان كان أحدهما رطباً أو ندياً، بنجس بالملاقاة، فإباحة استعماله مقروناً بأحد شرطين أما بغسله قبل بيعه، أو بإعلام مشتريه بنجاسته، وهكذا إذا عجن طين الكيزان والخزف بالسرجين لزمه عند بيعه أن يغسله أو يخبر بنجاسته، ليغسله المشتري قبل استعماله فإن صار هذا عرفاً مشهوراً بين جميع الناس سقط الأمران عند بيعه من الغسل والإعلام، ولم يكن للمشتري أن يستعمله إلا بعد غسله؛ لأنه قد صار بالعرف معلوم النجاسة.
مسألة:
قال الشافعي:" ولا يحل من الميته إلا إهابها بالدباغ ويباع "
قال في الحاوي: وهذا صحيح إذا مات الحيوان صار جميعه بالموت نجساً. وقال أبو حنيفة: ينجس لحمه وجلده، ولا ينجس شعره ولا عظمه.
وقال مالك: ينجس عظمه، ولا ينجس شعره، وقد حكي هذا عن الشافعي. فخرجه ابن أبي هريرة قولا ثانيا، وامتنع جمهور أصحابه من تخريجه، وجعلوه حكاية عن مذهب غيره، وحكي عن ابن أبي ليلى أن استعمال جلد الميتة قبل الدباغ جائز.
فمن الناس من جعل ذلك منه حكما بطهارته، كما قاله غيره في العظم والشعر ومنهم من جعله إباحة لاستعماله مع الحكم بنجاسته، وفي قول الله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}[المائدة: ٣] ما يقتضي تحريم جميعها على العموم، فكان دليلا على جميعهم في نجاسة الجمع، فإذا ثبت هذا لم يطهر شيء منها إلا جلدها بالدباغة.
وقال الليث بن سعد: يطهر عظمها بالطبخ إذا ذهب دسمه.
وقال إبراهيم النخعي: يطهر بالخرط وقال خرط العاج ذكاته.
وقال بعض أصحاب الحديث: يطهر شعرها بالغسل، وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هلا انتفعتم بإهابها" دليل على اختصاص الإهاب بطهارة الدباغة دون غيره، فإذا دبغ الجلد