للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعنى الحديث: أنكم إذا تغذيتم، فليس لكم أن تأكلوها عند العشاء إذا تعشيتم فليس لكم أن تأكلوها عند الغداء؛ لأن الرمق يتماسك، وإذا وجدتم "الحفا" فليس لكم أن تأكلوها؛ لأن المرمق به متماسك، فدل على إباحة أكلها إذا لم يتماسك الرمق إلا بها.

فإذا ثبت إباحة أكل الميتة للمضطر بإباحتها معتبرة بأربعة شروط:

أحدها: أن ينتهي به الجوع إلى حدّ التلف، ولا يقدر على مشي ولا نهوض، فيصير غير متماسك الرمق إلا بها، فيصير حينئذ من أهل الإباحة، فإن تماسك رمقه أو جلس وأقام ولم يتماسك إن مشى، وسار نظر: فإن كان في سفر يخاف فوت رفاقته حلّ له أكلها، وان لم يخف فوت رفاقته لم تحل له.

والشرط الثاني: أن لا يجد مأكول الحشيش والشجر ما يمسك به رمقه، فإن وجده لم تحل له الميتة، ولو وجد من الحشيش ما يستصر بأكله حلت له الميتة.

والشرط الثالث: أن لا يجد طعاماً يشتريه، فإن وجد ما يشتريه بثمن مثله لزمه شراؤه، سواء وجد ثمنه أو لم يجد إذا أنظره البائع ثمنه بخلاف الماء الذي لا يلزمه أن يشتريه إذا كان عادماً؛ لأن إباحة التيمم معتبرة بالعدم، وهو بإعواز الثمن عادم.

وإباحة الميتة معتبرة بالضرورة، وهو مع الإنظار بالثمن غير مضطر، فإن بذل له الطعام بأكثر ثمن المثل لم يلزمه أن يشتريه كالماء؛ لأن التماس الزيادة منتف.

والشرط الرابع: أن لا يكون بما دعته الضرورة إلى الميتة عاصياً، كمقامه على قطع الطريق، واخافته السبيل أو لبغيه على إمام عادل لقول الله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: ١٧٣]؛ ولأنه إباحة أكل الميتة رخصة والعاصي لا يترخص في معصيته، فإن تاب من المعصية حل له أكل الميتة، وإن أقام عليها ولم يتب حرمت عليه، وهو غير مضطر إلى الامتناع من التوبة.

ولا فرق بين المسافر والمقيم، وان قصر السفر، لأنه الأغلب من أحواله العدم وإن حدث مثله في الأمصار والقرى حلّ فيها أكل الميتة كالسفر.

فصل:

فإذا أحل له أكل الميتة بالشروط المعتبرة، كان له أن يأكل منها ما يمسك رمقه كيف ما ساغه طبخاً وقلياً، وشياً، ونيئاً، وهل يجوز أن يتجاوز بالأكل بعد إمساك الرمق إلى أبد ينتهي إلى حدّ الشبع، فيه قولان:

أحدهما: ليس له الزيادة على إمساك الرمق، وما بعده إلى حدّ الشبع حرام، وبه قال أبو حنيفة، واختاره المزني.

والثاني: أنه يأكل حتى ينتهي إلى الشبع، ولا يحرم عليه إلا ما زاد على حدّ الشبع وبه قال مالك، وسفيان الثوري.

ودليل القول الأول في تحريم الشبع قول الله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَاكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: ١١٩] والضرورة

<<  <  ج: ص:  >  >>