والثاني: رضيت الاستسلام أي طاعة، فروى قبيصة أن كعب الأحبار قال: لو نزلت هذه الآية على غير هذه الأمة لعظموا اليوم الذي نزلت فيه، واتخذوه عيداً، فقال عمر: لقد نزلت بعرفة، في يوم جمعة، وكلاهما بحمد الله لنا عيد، ثم بين بعدها إباحة ما استثناه من المحرمات فقال:{فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ}[المائدة: ٣] يعني: مجاعة، وهي مفعلة من خمص البطن وهو اضطماره من الجوع مثل: مخملة ومخلة {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ}[المائدة: ٣] وفي المتجانف تأويلان:
أحدهما: أنه المتعمد.
والثاني: أنه الماثل.
وفي هذا الإثم تأويلان:
أحدهما: أن يأكل ما حرم عليه مما تقدم ذكره من غير ضرورة.
والثاني: أن يتجاوز في الضرورة ما أمسك الرمق إلى أن ينتهي إلى الشبع، فإن الله غفور رحيم يعني غفوراً للمآثم، رحيماً في الإباحة.
وإنما استوفيت تفسيرها هاتين الآيتين، وإن تجاوزنا بهما مسألة الكتاب؛ لما تعلق بهما من الأحكام والنعم، مع إباحة الميتة للمضطر.
ويدل عليه من السنة ما رواه الأوزاعي، عن حسان بن عطية عن أبي واقد الليثي قال: قلنا: يا رسول الله إنا بأرض تصيبنا فيها المخمصة، فمتى تحل لنا الميتة؟ قال: ما لم تصطبحوا، أو تغتبقوا أو تحتفئوا بها بقلاً فشأنكم بهاّ! ِ قوله:"تصطبحوا" من الصبوح، وهو الغذاء، و "تغتبقوا" من الغبوق، وهو العشاء، أي لم تجدوا "الحفا" مقصور، وهو أصول البردي الرطب، وقيل: إنه أراده وأمثاله من الحشيش؛ لأنه مأكول يغني عن الميتة.