والثاني: وهو ظاهر مذهب الشافعي أنه لا يجوز السبق على الصراع لما ذكرنا من المعنيين من السبق بالأقدام، فعلى هذا إن قيل: إن السبق على الصراع لا يجوز، فالسبق على المشابكة بالأيدي لا يجوز وإن قيل بجوازه في الصراع ففي جوازه بالمشابكة وجهان كالسباحة.
ومنها اختلافه أصحابنا في السبق بالحمام على وجهين:
أحدهما: يجوز؛ لأنها بالهداية تؤدي أخبار المجاهدين بسرعة.
والثاني: لا يجوز؛ لأنها لا تؤثر في جهاد العدو، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رأى رجلاً يسعى بحمامة، فقال: "شيطان مع شيطانة ".
فأما السبق بالكلام، وبنطاح الكباش ونقار الديكة، فهو أسفه، والسبق فيه باطل لا يختلف، والله أعلم بالصواب.
فصل:
وأما النصل، وهو السهام، فقياسه كل سلاح فارق يد صاحبه من الحراب ومقاليع الأحجاز وقس البندق، واختلف أصحابنا، فيما لا يفارق يد صاحبه من السيوف والرماح والأعمدة، هل يجوز السبق بها أم لا؟ على وجهين:
أحدهما: يجوز كالمفارق ليده؛ لأن جهاد العدو بها.
والثاني: لا يجوز، لأنه يكون بذلك محارباً لا مسابقاً.
فأما السبق بالمدامي وكرة الصولجان فلا؛ لأن الجهاد لا يكون بهما.
فأما الدمو بالحجر الثقيل أو رفعه من الأرض، لاختبار القوة، والارتياض بها، فالسبق عليه كالسبق على الصراع، فيكون على وجهين. ولله أعلم.
فصل:
فإذا تقرر ما يجوز السبق به على الأعواض المبذولة، فلصحة العقا عليه خمسة شروط:
أحدها: التكافؤ فيما يستبقان عليه، وفيما يتكافآن به وجهان:
أحدهما: وهو الظاهر من مذهب الشافعي، وما عليه جمهور أصحابه أن التكافؤ بالتجانس، فيسابق بين فرسين أو بغلين أو حمارين أو بعيرين، ليعلم بعد التجانس فضل السابق، ولا يجوز أن يسابق بين فرس وبغل ولا بين حمار وبعير! لأن تفاضل الأجناس معلوم وأنه لا يجري البغل في شوط الفرس، كما قال الشاعر:
إنَّ المُذَرَّعَ لَا تُغْنِي ضُؤولَتُهُ كَالبَغْلِ يَعْجَزُ عَنْ شَوْطِ المحَاضِيرِ