وحكي عن مالك، وداود أنهما لا يجوز التيمم لكل مرض لظاهر قوله تعالى:{وإن كُنتُم مَّرضي}[النساء: ٤٣] الآية ولم يفصل، وهذا غلط لقوله (صلى الله عليه وسلم): ((لا يقبل الله صلاة أمرئ حتى يضع الطهور مواضعه)) الخبر فهذا عموم يعارض عمومه، لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: ((الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء فجعل شفاء الحمى الماء، فلا يكون ذلك عذراً في قول استعماله، ولأنه واجد للماء ولا يخاف الضرر من استعماله، فلا يجوز له التيمم، كما لو كان به وجع السن والمرض الثالث: أن لا يخاف منه التلف، ولكنه يخاف للزيادة في العلة أو تباطؤ البرء، قال في ((الإملاء)) و ((البويطي)) و ((القديم)): يجوز له التيمم، فظاهر ما قاله في ((الأم)) أنه لا يجوز له التيمم إلا أن يخاف التلف، فاختلف أصحابنا فيه على طرق أحدها: يجوز له التيمم قولاً واحداً، لأنه يلحقه الضرر البين باستعمال الماء، ويخاف من زيادة العلة زيادة الوجع المؤدي إلى التلف، وهذا اختيار ابن سريج، والأصطخري، وهو الصحيح عندي، ونصه في ((الأم)) متأول على أنه أراج بالمرض المخوف خوف الزيادة.
والطريق الثاني: وهو الذي عليه عامة أصحابنا، واختاره أبو إسحاق المسألة على قولين: أحدها: [١٦٨ ب/ ١] لا يتيمم له، وبه قال عطاء، والحسن، وأحمد، لأن ابن عباس- رضي الله عنه- قال في تفسير الآية: إذا كانت بالرجل جراحة في سبيل الله أو قرح أو جدري فيجنب، ويخاف أن يقتل فيموت بينهم بالصعيد. والثاني: يتيمم له، وبه قال أبو حنيفة، ومالك لقوله تعالى:{وإن كُنتُم مَّرضي}[النساء: ٤٣] فعم ولم يخص، وما ذكر عن ابن عباس فليس بتفسير، بدليل أن من كان به جرح في غير سبيل الله- عز وجل- جاز له التيمم بالإجماع، ولأن في ترك الصوم والقيام في الصلاة لا يشترط خوف التلف فكذلك ها هنا.
والطريق الثالث: لا يجوز له التيم قولاً واحداً، وما قال في الإملاء، أراد به إذا
يخاف زيادة يتولد منها التلف، وقد صرح في ((الأم)) فقال: لا لشين ولا لإبطاء برء، هذا لا أنه لا يجوز له التيمم للعطش إلا عند خوف التلف، كذلك ههنا، وهذا لا يصح، لأن بعض أصحابنا قولوا: إذا لم يحف التلف من التعطش بل خاف الألم والضر الشديد به فإنه يجوز له التيم في أحد الوجهين.
فرع
لو خاف منه الشين والشلل، قد قيل: فيه قولان، وقيل: لا يتيمم له قولاً واحداً، وقال ابن سريج، والأصطخري: يتيمم له قولاً واحداً، لأن ضرر هذا متأبد وهو