شكا فقراً قدحاً وحلساً بدرهمين فيمن يزيد.
وأما إجماع الأمة: فظاهر فيهم من غير إنكار بجملته، وان اختلفوا في كيفيته وصفته، حتى أن كبراء الصحابة ارتسموا وندبوا نفوسهم له، فروي أن أبا بكر - رضي االله عنه _ كان تاجراً في البز وروي عن عمر _ رضي الله عنه _ أنه كان تاجراً في الطعام والأقط. وروي عن عثمان _ رضي الله عنه _ أنه كان تاجراً في البر والبحر. وروي عن العباس. رضي الله عنه _ أنه كان تاجراً في العطر.
وعلى ذلك جرت أحوال الصحابة قبل الهجرة وبعدها، فمنهم من تفرد بجنس منها، ومنهم من جلب في جميع صنوفها كعثمان وعبد الرحمن _ رضي الله عنهما - فدل مما ذكرنا أن البيع مباح.
فصل
في تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَاكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ} [النساء: ٢٩] أما قوله: {لاَ تَاكُلُوا} فمعناه: لا تأخذوا، فعبر عن الأخذ بالأكل، لأنه معظم ما يقصد بالأخذ، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَاكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} [النساء: ١٠]، أي: يأخذون.
وأما قوله: {أَمْوَالَكُمْ} ففيه تأويلان:
أحدهما: أنه أراد مال كل إنسان في نفسه أن لا يأخذه فيصرفه في المحظورات.
والثاني: أن معناه: لا يأخذ بعضكم مال بعض، كما قال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩] أي: لا يقتل بعضكم بعضاً.
وأما قوله تعالى: {بِالْبَاطِلِ} ففيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أنه أراد أن يصرف في المحظورات.
والثاني: أن المراد به أن لا يؤخذ بالانتهاب والغارات على عادتهم في الجاهلية.
والثالث: أن المراد بالباطل التجارات الفاسدة المألوفة عندهم في بيوع الجاهلية.
وأما قوله تعالى: {إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً} فلفظ إلا موضوع في اللغة للاستثناء، ولكن اختلف الناس وأصحابنا معهم في المراد به في هذا الموضع على أربعة أقوال:
أحدها: أن إلا في هذا الموضوع لم يرد بها الاستثناء، وإنما معناها: لكن فيصير تقدير الآية: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ولكن كلوها تجارة عن تراض منكم، كقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً} [النساء: ٩٢] معناه: وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا عمداً ولا خطأ، لكن إن قتله خطأ، فتحرير رقبة مؤمنة. وبهذا قال أبو إسحاق المروزي.
والثاني: أن معنى إلا: في هذا الموضع معنى: الواو، فيكون تقدير الآية: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، وكلوها تجارة عن تراض، كقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا