يكون المراد باللفظ أكثر، وما ليس بمراد باللفظ أقل، والعموم الذي أريد به الخصوص ما يكون المراد باللفظ أقل وما ليس بمراد باللفظ أكثر.
الثاني: أن البيان فيما أريد به الخصوص متقدم على اللفظ، وفيما أريد به العموم متأخر عن اللفظ أو مقترن به.
وعلى كلا القولين يجوز الاستدلال بها على إباحة البيوع المختلف فيها، ما لم يقم دليل التخصيص على إخراجها من عمومها.
فصل
القول الثاني: إنها مجملة لا يعقل منها صحة بيع من فساده إلا ببيان من السنة ووجه ذلك: هو أن من البياعات ما يجوز، ومنها ما لا يجوز، وليس في الآية ما يتميز به الجاثز من غير الجائز، فاقتضى أن يكون من المجمل الذي لا نعقل المراد من ظاهره إلا ببيان يقترن به. فعلى هذا اختلف أصحابنا. هل هي مجملة بنفسها؟ لتعارض فيها أو هي مجملة بغيرها؟ على وجهين:
أحدهما: مجملة بنفسها لتعارض فيها. وذلك أن قوله:{أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ} يقتضي جواز البيع متفاضلاً، وقوله:{وَحَرَّمَ الرِّبَا} يقتضي تحريم البيع متفاضلاً، فصار آخرها معارضاً لأولها، فوقع الإجمال فيها بنفسها.
الثاني: أنها مجملة بغيرها، وذلك أنها تقتضي جواز كل بيع من غرر، ومعدوم، وغيره. وقد وردت السنة بالمنع من بيع الغرر، والملامسة، والمنابذة، وغير ذلك فصارت السنة معارضة لها، فوقع الإجمال فيها بغيرها. فإذا ثبت أنها مجملة بنفسها على أحد الوجهين، أو بغيرها على الوجه الثاني، فقل اختلف أصحابنا:
هل وقع الإجمال في صيغة لفظها وفي المعنى المراد بها؟ أو وقع الإجمال في المعنى المراد بها دون صيغة لفظها؟
على وجهين:
أحدهما: أن الإجمال في المعنى دون اللفظ، لأن لفظ البيع، اسم لغوي لم يرد من طريق الشرع، ومعناه معقول، إلا أنه لما قام بإزائه ما يعارضه تدافع العمومان، ولم يتعين المراد منهما إلا بالسنة، صارا مجملين لهذا المعنى، لأن اللفظ مشكل المعنى.
الثاني: أن اللفظ مجمل، والمعنى المراد به مشكل، لأنه لما لم يكن المراد باللفظ ما وقع عليه الاسم، وصار مضمّناً بشرائط لم تكن معقولة في اللغة، خرج اللفظ بالشرائط عن موضوعه في اللغة إلى ما استقرت عليه شرائط الشرع، وإن كان له في اللغة معاني معقولة، كما قلنا في الصلاة: إنها مجملة، لأنها مضمنة بشرائط لم تكن معقولة في اللغة، وإن كان فيها معاني معقولة في اللغة كالخضوع وما يقع فيها من الدعاء، فكذلك لفظ البيع.
وعلى كلا الوجهين لا يجوز الاستدلال بها على صحة بيع من فساده، وإن دلت على إباحة البيع في أصله. وهذا فرق ما بين العموم والمجمل، حيث جاز الاستدلال بظاهرة العموم، ولم يجز الاستدلال بظاهر المجمل. والله أعلم.