للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أن حمله عليها وقت التساوم مجاز، وبعد العقد حقيقة لغة وشرعاً: فأما اللغة، فلأن البيع مشتق من فعل، والأسماء المشتقة من الأفعال لا تنطلق على مسمياتها إلا بعد وجود الأفعال، كالضارب والقاتل: لا يتناول المسمى به إلا بعد وجود الضرب والقتل، كذلك البائع لا ينطلق عليه اسم البيع إلا بعد وجود البيع منه، والبيع إنما يوجد بعد العقد، فأما حين التساوم فلا. فأما الشرع، فلأنه لو قال لعبده: إذا بعتك فأنت حر لم يعتق عليه بالمساومة، فإذا تم العقد عتق عليه، فلذلك قال مالك وأبو حنيفة: إذا باعه بيعاً لا خيار فيه، لم يعتق عليه، لأنه يصير بائعاً بعد العقد، وقد زال ملكه بالعمد، وانقطع خياره، فلم يعتق عليه من بعد.

والثاني: أن تسميتنا له بائعاً بعد انقضاء البيع، إن كان مجازاً من حيث يقال: كانا متبايعين، فالحمل عليه وقت التساوم وجاز أيضاً حتى يوجد القبول، وإلا فيقال: سيكونان متبايعين، وإذا كان ذلك مجازاً فيهما جميعاً، كان ما ذكرنا أولى من وجهين:

أحدهما: أن الاسم وإن انطلق عليهما بعد العقد مجازاً، فقد استقر بوجود البيع، وهو قبل العقد غير مستقر، لجواز أن لا يتم البيع.

والثاني: أن اسم البائع والمشتري من الأسماء المشتركة، كالوالد والولد، فلا يوجد المشتري إلا في مقابلة البائع، ولا يوجد البائع إلا في مقابلة المشتري، فلو كان البائع بعد البذل وقبل القبول يسمى بائعاً، لجاز أن يكون الطالب قبل القبول يسمى مشترياً، فلما لم يسم الطالب مشترياً إلا بعد القبول، لم يسم الباذل بائعاً إلا بعد القبول. على أن هذا التأويل إنما يسوغ مع وهاية في قوله: المتبايعان فأما في قوله البيعان فلا يسوغ فيه. فنستعمل الروايتين، ونحمله على اختلاف معنيين، فيكون أولى من حمله على أحدهما. فبطل هذا التأويل بما ذكرنا من الدليل والانفصال، واستقر ما ذكرنا من الوجوه في أدلة الأخبار.

فأما المعنى النظري فهو أنه خيار ورد به الشرع، فوجب أن يعتبر حكمه بعد العقد، أصله خيار الثلاث.

ولأنه عقد معاوضة محضة، فوجب أن يكون للتفرق تأثير فيه، كالصرف والسلم.

ولأن الخيار ضربان: ضرب يتعلق بالصفات، وضرب يتعلق بالزمان.

ثم كان الخيار المتعلق بالصفات ينقسم قسمين: قم وجب بالشرط وقسم وجب بالشرع.

فالقسم الواجب بالشرط: أن يبتاع عبداً على أنه كاتب أو مانع، فيجده بخلاف ذلك، فيجب له الخيار لعدم الفضيلة المستحقة بالشرط.

والواجب بالشرع: هو خيار العيب لنقص وجده عن حال السلامة، فيجب له الخيار بالشرع، فاقتضى أن يكون الخيار المتعلق بالزمان ينقسم قسمين: قسم وجب بالشرط: وهو خيار الثلاث. وقسم وجب بالشرع: وهو خيار المجلس.

وتحريره قياساً: أنه أحد جنسي الخيار، فوجب أن يتنوع نوعين: شرطاً وشرعاً قياساً على خيار الصفات. ولأنه عقد يقصد به تمليك المال، فلم يلزم بالبذل والقبول كالهبة. ولأن عقد البيع بذل وقبول، فلما ثبت الخيار بعد البذل، وجب أن يثبت بعد القبول. وتحريره قياساً: أنه قول أحد المتبايعين، فوجب ثبوت الخيار بعده كالبذل.

<<  <  ج: ص:  >  >>