للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما الجواب عن قوله سبحانه وتعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة:٢٨٢] أن المراد به الإشهاد بعد الافتراق في الحال التي يلزم فيها العقد. ولا يمنع أن يكون ذلك إشهاداً على العقد ووثيقة فيه كما أن الإشهاد في خيار الثلاث، يكون بعد تقضي الثلاث، ولا يمنع أن يكون ذلك إشهاداً على العقد ووثيقة فيه.

وأما الجواب عن حديث عمرو بن شعيب، وقوله "ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقبله" فهو أن لهذا اللفظ ظاهرين:

أحدهما: حجة عليهم.

والثاني: حجة لهم.

فقوله: "ولا يحل له أن يفارقه" حجة عليهم، لأنه يدل على أن البيع لم يقع لازماً، وأن فيه خياراً يسقط بالتفرق. وقوله: "خشية أن يستقبله" حجه لهم، لأنه يدل على أن الخيار لا يستحق إلا بالإقامة.

فلم يكن بد من تغليب أحد الظاهرين لتعارضهما، فكان تغليب الظاهر في إثبات الخيار أحق لأمرين:

أحدهما: أن أول الخبر يقتضيه، وهو قوله "المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن تكون صفقة خيار".

والثاني: أن الإقامة لا تختص بمجلس التبايع وتبطل بالتفرق لجوازها بعد الافتراق كجوازها قبله. وإنما الخيار يختص بالمجلس ويبطل بالتفرق، فصح أنه المراد. وأما الجواب عن ما روي عن عمر "البيع صفقة أو خيار" فهو أنه مرسل، لأنه يروى عن رجل من بني كنانة، ولو صح لاحتمل أمرين:

أحدهما: أن البيع عن صفقة وخيار، لأنه قسم البيع إلى قسمين:

أحدهما: صفقة، والثاني: خيار. والخيار بمجرده لا يكون بيعاً إلا مع الصفقة، فثبت أن معناه عن صفقة وخيار.

والثاني: أن معناه أن البيع على ضربين: ضرب: فيه خيار الثلاث. وضرب: ليس فيه خيار الثلاث. يوضح ذلك يؤيده ما روى مطرف عن الشعبي أن عمر بن الخطاب قال: المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا.

وأما الجواب عن قياسهم على النكاح: فهو أن المعنى في النكاح أنه عقد تبتغى به الوصلة دون المعاوضة فلم يثبت فيه الخيار الموضوع لارتياد أوفر الأعواض، ولهذا المعنى لم تكن الرؤية شرطاً في صحته، وخالف سائر عقود المعاوضات من البيوع وغيرها، ألا ترى أن خيار الثلاث لا يصح فيه وإن صح في غيره.

وأما الجواب عن قياسهم على الكتابة: فهو أن الخيار موضوع في العقد، لارتياد الحظ فيه، وعقد الكتابة لم يثبت فيه الخيار من جهة السيد لأنه قصد به إرفاق عبده، لا طلب الحظ لنفسه إذ معلوم أنه لا حظ له في بيع ملكه بملكه، فسقط خياره.

ولأنه ليس يستدرك به ما خفي عنه، وأما العبد فخياره ممدود، وليس كذلك البيع. وأما الجواب عن قياسهم على الخيار المجهول: فهو أن خيار المجلس من موجبات العمد، والخيار المجهول من موجبات الشرط.

<<  <  ج: ص:  >  >>