كان يجب التفرق بعد البيع فكذلك يجب إذا خير أحدهما صاحب بعد البيع وكذلك قال طاوس: خير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً بعد البيع فقال الرجل: عمرك الله ممن أنت؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "امرؤ من قريش" قال فكان طاوس يحلف ما الخيار إلا بعد البيع.
قال في الحاوي: قد ثبت بما مضى خيار المجلس في البيوع كلها، وفي الصرف، والسلم، لأنهما نوعان منها غير أن خيار الثلاث وإن دخل في البيوع، فهو غير داخل في الصرف والسلم. لأن القبض قبل الافتراق لما كان شرطاً في صحتهما، منع من بقاء علق العقد بعد الافتراق، وخيار الثلاث يبقى علق العقد بعد الافتراق فمنع منه.
فإذا ثبت ذلك فعقد البيع يلزم بشيئين: هما: العقد، والافتراق.
وإذا كان لا يلزم إلا بهما وجب بيان كل واحد منهما. فنبدأ ببيان العقد وحكمه، ثم بالافتراق ولزوم البيع به.
فصل
فأما العقد فيصح باعتبار ثلاثة شروط:
أحدها: اللفظ الذي يعقد به.
والثاني: كيفية العقد به.
والثالث: بيان ما يصير العقد تابعاً به.
فأما الشرط الأول: وهو اللفظ الذي يعقد به. فألفاظه على ثلاثة أضرب: ضرب: يصح العقد به؛ وضرب لا يصح العقد به؛ وضرب مختلف فيه هل يصح العقد به أم لا؟ فأما ما يصح العقد به، فلفظة واحدة من جهة البائع، وهي قوله: قد بعتك، وإحدى لفظتين من جهة المشتري، هما: قوله: قد اشتريت، أو قد ابتعت، لأن معنى الشراء والابتياع سواء.
وأما ما لا يصح العقد به: فهو كل لفظ كان يحتمل معنى البيع وغيره، كقوله: قد أبحتك هذا العبد بألف، أو قد سلطتك عليه، أو قد أوجبته لك، أو جعلته لك. كل هذه الألفاظ لا يصح عقد البيع بها، لاحتمالها، وأن معنى البيع ليس بصريح فيها. وأما المختلف فيه: فهو قوله: قد ملكتك. فيه لأصحابنا وجهان:
أحدهما: يصح العقد به، لأن حقيقة البيع: تمليك المبيع بالعوض، فلا فرق بين ذلك وبين قوله: بعتك.
الثاني: وهو الصحيح لا يصح العقد به، لعلتين:
إحداهما: أن لفظ التمليك يحتمل البيع ويحتمل الهبة على العوض، فصار من جملة الألفاظ المحتملة.
والأخرى: أن التمليك هو حكم البيع وموجبه، فاحتاج إلى تقديم العقد، ليكون التمليك يتعقبه.
فصل
فأما كيفية العقد بألفاظه المختصة به فيحتاج أن يكون لفظ البائع خارجاً على أحد الوجهين: إما مخرج البذل، أو مخرج الإيجاب. ولفظ المشتري خارجاً على أحد