الوجهين أيضاً: إما مخرج القبول، أو مخرج الطلب. وإذا كان كذلك، فإن، لهما في عقد البيع بلفظه ثلاثة أحوال:
إحداهن: أن يعقداه بلفظ الماضي.
والثانية: بلفظ المستقبل.
والثالثة: بلفظ الأمر.
فأما عقده بلفظ الماضي: فهو أن يبدأ البائع، فيقول: قل بعتك عبدي بألف، ويقول: المشتري قد اشتريته منك بها، فيصح العقد؛ لأن قول البائع: قد بعتك، يكون بذلاً، وقول المشتري: قد اشتريت، يكون قبولاً، والبيع يصح بالبذل والقبول.
وكذا لو قال المشتري مبتدئاً: قد اشتريت هذا العبد بألف، فيقول البائع: قد بعتك بها، صح البيع، ولم يحتج المشتري إلى إعادة القبول بعد بذل البائع بوفاة أبي حنيفة؛ لأن هذا القول من المشتري إذا تقدم وإن كان بلفظ القبول يتضمن معنى الطلب، وقول البائع إذا تأخر وإن كان بلفظ البذل يتضمن معنى الإيجاب، والبيع يصح بالطلب والإيجاب، كما يصح بالبذل والقبول.
فأما إذا ابتدأ البائع، فقال: قد اشتريت مني عبدي بألف، فقال: قد اشتريته، لم يصح البيع بهذا اللفظ، حتى يقول البائع بعد ذلك: قد بعتك؛ لأن قول البائع للمشتري: قد اشتريت مني، هو استخبار، وليس ببذل منه ولا إيجاب، وما لم يكن بذلاً ولا إيجاباً، لم يصح عقد البيع به من جهة البائع. وهكذا لو ابتدأ المشتري فقال للبائع: قد بعتني عبدك بألف، فقال: قد بعتك، لم يصح البيع، حتى يقول المشتري بعد ذلك: قد اشتريت؛ لأن هذا القول من المشتري، ليس بقبول ولا طلب، وما لم يكن قبولاً ولا طلباً، لم يصح عقد البيع به من جهة المشتري.
وأما عقده بلفظ المتقبل: فهو أن يبدأ البائع فيقول: سأبيعك عبدي بألف، أو يقول: أبيعك عبدي بألف، ويقول المشتري: اشتريته بها أو سأشتريه. أو يقول المشتري: تبيعني عبدك بألف، فيقول: أبيعك، أو يقول البائع: تشتري عبدي بألف، فيقول: اشتريته، فلا يصح عقد البيع بذلك؛ لأنه خارج مخرج الوعد. وهكذا جميع ما تلفظا به من الألفاظ المتقبلة، لا يصح عقد البيع بها لما ذكرنا. ومن هذا النوع أيضاً أن يكون اللفظ خارجاً مخرج الاستفهام كقوله: أتشتري عبدي بألف؟ فيقول: قد اشتريته، أو يقول المشتري: أتبيع عبدك بألف؟ فيقول: قد بعته، فلا يصح البيع أيضاً لما ذكرنا.
وأما عقده بلفظ الأمر. فإن ابتدأ البائع فقال للمشتري: اشتر عبدي بألف، فقال: قد اشتريت، لم يصح البيع، إلا أن يعود البائع فيقول: قد بعت، ولو ابتدأ المشتري فقال للبائع: بعني عبدك بألف، فقال: قد بعتك بها، صح البيع، ولم يحتج المشتري إلى إعادة القبول عندنا.
والفرق بين أن يقول البائع مبتدياً للمشتري: اشتر عبدي بألف، قد اشتريت، فلا يصح البيع، وبين أن يبتدئ المشتري فيقول للبائع: بعني عبدك بألف، فيقول: قد بعتك بها، فيصح البيع، وإن كان كلا اللفظين أمراً: أن البائع إنما يراد من جهته البذل