قال المشتري- حين قال البائع: قد بعتك عبدي بألف-: قد قبلت هذا البيع، صح البيع، ولزم فيه الألف، وإن لم يصرح المشتري بها في قبوله؛ لأن بذل البائع قد تناولها، وقبول المشتري توجه إليها.
فإن قيل: أليس لو قال الولي في النكاح: قد زوجتك بنتي على صداق ألف، فقال الزوج: قد قبلت تزويجها؟ أو قال: قد تزوجتها، ولم يقل: على هذا الصداق، صح النكاح، ولم يلزم الصداق حتى يصرح به في قبوله؟ فما الفرق بينه وبين البيع؟
قيل: الفرق بينهما: أن البيع لا يصح إلا بثمن فإذا حصل فيه القبول، تضمن ما يتناوله البذل من الثمن، والنكاح قد يصح مع خلوه من الصداق، فلذلك لم يلزم فيه الصداق إلا أن يصرح به في قبوله. ولو قال البائع: قد بعتك عبدي بألف إن قبلت الشراء مني، فقال: نعم، صح البيع وتم. وكذا لو كان بينهما متوسط في العقد، فقال للبائع: بعته عبدك بألف، فقال: نعم، وقال للمشتري: اشتريته بها، فقال نعم، صح البيع وتم. وكذا لو ابتدأ المتوسط بالمشتري فقال: اشتريت هذا العبد من فلان بألف، فقال: نعم، وقال للبائع: بعته عليه بالألف، فقال: نعم، صح البيع وتم.
ويفارق النكاح في أحد الوجهين بما نذكره هناك من الفرق بينهما. ولكن لو قال البائع: قد بعتك عبدي هذا بألف، فقال المشتري: قد ابتعته بخمسمائة، لم يصح البيع. وهكذا لو قال المشتري: قد قبلته بألفين، لم يصح البيع أيضا؛ لأنهما لم يجتمعا في البذل والقبول على ثمن واحد، ولا يصح البيع، حتى يكون الثمن معلوماً يتفقان عليه.
وقال أبو حنيفة: يصح البيع بالألف؛ لاجتماعهما عليها، والألف الأخرى زيادة، إن شاء البائع قبلها، وإن شاء ردها. قال: ولو قال المشتري: بعني هذا العبد بألف، فقال البائع قد بعتك بخمسمائة، صح البيع بخمسمائة، وقد حطه خمسمائة، وحل ذلك حظا؛ لأن الثمن مختلف في حال العقد لم يجتمع عليه في البذل والقبول سواء عاد البائع، فقبل الزيادة، أو المشتري فقبل الحطيطة أم لا؟ ولا يصح البيع إلا باستئناف العقد لما ذكرناه. فهذا حكم العقد.
فصل
وأما الافتراق: فهو موضوع لقطع الخيار، ولزوم البيع، لأن الخيار ثابت لكل واحد منهما بعد العقد في الفسخ والإمضاء، وقطع هذا الخيار يكون بأحد وجهين: إما بالافتراق. وإما بالتخيير القائم في قطع الخيار مقام الافتراق.
فأما حد الافتراق، فقد ورد الشرع به مطلقاً، وما أطلقه الشرع ولم يكن محدوداً في اللغة كان الرجوع في حده إلى العرف كالقبض في المبيعات، والإحراز في المسروقات. فإذا فارق أحدهما صاحبه إلى حيث ينسب في العرف أنه مفارق له، انقطع الخيار ولزم البيع، مثال ذلك إن تبايعا في دار فيخرج أحدهما منها، فيكون هذا افتراقاً سواء صغرت الدار أو كبرت، تعد الخارج منها أم قرب.
فأما إن لم يخرج منها، ولكن قام من أحد جانبيها الذي تبايعا فيه إلى الجانب